• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
الجمارك على العربيات المستوردة هتنزل من 135% ل 20% في 2018
الموضوع اللي فات
دبلوماسية إماراتية دخلت جينيس بأكبر مجموعة عرايس مصنوعة من الورق

اللي عاوز يموت في مصر واللي نفسه يهرب منها.. حكاية آخر اليونانيين في إسكندرية

يا عيني على الحلو لما تبهدله الأيام

"لما بزور اليونان، صوت البحر وكورنيش إسكندرية بيرن في وداني، بحس إني قادرة أسمع الحناطير اللي بتمشي في الشارع وزحمة الناس، مابقدرش أطول في القعدة في اليونان، أنا مكاني هنا". الجملة دي استقبلتنا بيها Paraskevi Damanidou -مُدرسة يونانية مقيمة في الإسكندرية- وهي بتكلمنا عن العلاقة المميزة بينها وبين إسكندرية.

Damanidou 
اتولدت وعاشت في اليونان، بس لما اتعرض عليها سنة ١٩٩٦ إنها تيجي تدرس في المدرسة اليونانية الوحيدة اللي فاضلة في إسكندرية، ماكانش صعب عليها تاخد القرار، مش لإن العرض كان مغري أكيد، بس عشان حبها الشديد للمدينة الساحلية طول حياتها خلاها توافق.   

علاقتها بإسكندرية زادت بعد جوازها من راجل مصري -اللي بتعتبره حب حياتها- وخلفت منه طفلين. دلوقتي بعد أكتر من عشرين سنة، Damanidou بقت أرملة ومع ذلك علاقتها بالمحافظة ماضعفتش وبتحضر إنها تتقاعد وتعيش آخر أيامها هنا. أولادها هيتخرجوا من الجامعة في خلال كام سنة، وبعدها غالبًا هيسافروا لليونان أو أي بلد في العالم الغربي، بس هي قررت تكمل حياتها في مصر وتحديدًا إسكندرية.

المدرسة اللي بتشتغل فيها Damanidou جزء من حاجة أكبر بكتير وهي "الجمعية اليونانية بالإسكندرية"، اللي بتقع في قلب المدينة الساحلية. في جزء من المؤسسة، بتلاقي دار تمريض للستات كبار السن من الجالية اليونانية. أغلب اللي عايشين في الدار لفوا العالم ويمكن كمان عاشوا في بلاد تانية لمدة سنين، بس في النهاية قرروا يتقاعدوا ويقضوا آخر أيامهم في إسكندرية، اللي بتمثلهم جزء كبير من ذكريات طفولتهم والمكان اللي اتربوا وعاشوا فيه. هناك قابلنا Yoana، يونانية ومواطنة إسكندرانية من الدرجة الأولي، وقالتلنا: "أهلي انتقلوا هنا في أوائل العشرينات وخلفوني بعدها ب١٠ سنين، كل حاجة كانت مختلفة وقتها".
 
بالرغم من كل ده، Yoana مش بتمثل أغلبية الجالية اليونانية اللي كانت يوم من الأيام كبيرة ومزدهرة. الجالية اليونانية عددها نزل من ٧٢ ألف شخص في بداية القرن العشرين، لأقل من ألف شخص النهاردة، الإسكندرانية اليونانيين حاليًا بيشتغلوا في البزنس والتجارة زي أجدادهم.

 إسكندرية كانت جميلة، الناس كانت لطيفة، مُتقبلة للاختلاف وسعيدة. كل حاجة كانت نضيفة ومنظمة، أنا عشت حياة سعيدة هنا ومش متخيلة نفسي عايشة في حتة تانية حتى دلوقتي بعد ما كل حاجة للأسف اتغيرت

في بداية القرن الـ١٨، المهاجرين اليونانيين هربوا من ويلات الحرب والدمار في أوروبا وراحوا للمدينة اللي نشأ فيها أجدادهم، على أمل إنهم يلاقوا الأمان والازدهار على إيد محمد علي، اللي كان بيحكم مصر وقتها، ساعتها كان سهل يقعوا في غرام إسكندرية ويشوفوا فيها تعويض عن كل اللي سابوه وراهم في أوروبا.

اليونانيين تفوقوا في الفن، التجارة والبيزنس، وكتير منهم بقوا رواد في الصناعات اللي بتعتبر لحد دلوقتي حجر أساس في الاقتصاد المصري.الموضوع ماوقفش عند اليونانيين بس، في مهاجرين من باقي دول أوروبا عملوا زيهم، وده اللي حول إسكندرية لمدينة حية بتجمع بين ثقافات كتير. 

سنة ١٨٨٢، عدد اليونانيين في إسكندرية وصل لحوالي ٣٧ ألف شخص، وده تقريبًا نص سكان إسكندرية وقتها، الاقتصاد ماكانش السبب الوحيد اللي بيخليهم يستقروا في المدينة؛ التسامح والطبيعة الاجتماعية الحية لإسكندرية، حولتها لمركز بتتجمع فيه الثقافات والفنون. Yoana بتكمل وتقول: "إسكندرية فعلًا كانت جميلة، أنا عيشت فيها حياة سعيدة ومش قادرة أتخيل إني ممكن أعيش في مكان تاني، حتى دلوقتي بعد ما كل حاجة للأسف اتغيرت"

أنا مصرية، اتولدت هنا، اتربيت هنا، وأنا عايشة هنا لحد النهاردة، ده بيتي

الوضع في إسكندرية كان مستقر، لحد ما الملك فاروق اطرد من مصر سنة ١٩٥٢، وقتها تراث إسكندرية والمجتمع اليوناني بقى متخبط جدًا. حدث اجتماعي سياسي واحد غير تمامًا في المجتمع المصري. بمجرد إعلان الجمهورية، بدأت الجاليات الغربية في مصر ترجع اليونان وباقي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وابتدى المجتمع اليوناني يصغر -بنفس المعدل اللي كان بيكبر بيه من قرن فات- واقتصر على الناس اللي فضلت متعلقة بالذكريات اللي عاشتها في يوم من الأيام في إسكندرية. Eleftheria شريكة Yolana’ في الأوضة قالت -كأمر واقع- إن برغم كل ده "أنا مصرية، اتولدت هنا، أنا عايشة هنا لحد النهاردة، ده بيتي".

 
الإسكندرانية مابقوش زي زمان ومبقاش سهل تبقي نفسك أو على طبيعتك لو شكلك أو تصرفاتك مختلفين عن اللي حواليك. أنا لسه بعتبر مصر أرض الفرص وممكن ارجع لو الدنيا اتغيرت لكن لو ده ماحصلش فأنا استكفيت

روح الانتماء اللي يمكن كلنا نستغربها دي، ماكانتش موجودة في الشباب الأصغر سنًا من الجالية اليونانية، موجة التشدد والتعريب اللي طغت على مصر في الفترة الأخيرة، خلت اليونانيين الأصغر يحسوا إنهم غرباء في بيتهم. قابلنا Alexia، بنت يونانية مصرية عندها ٢٤ سنة ولسه متخرجة من كلية الهندسة جامعة إسكندرية، قالتلنا: "أنا مسافرة فرنسا خلال يومين من غير ما يبقي عندي نية أرجع تاني، عايزة أحس إني قادرة أعيش حياتي بالشكل اللي يرضيني من غير ما أبقى خايفة اتعزل عن المجتمع أو حد يحكم عليا، وده اللي بواجهه كل يوم".

كملت وقالتلنا: "المدينة دي هتفضل طول عمرها بيتي وأنا بعتبر نفسي مصرية حتى لو في ناس مش شايفة كدة، بس مابقيتش حاسة إنها مكان أقدر أعيش فيه حياتي بالشكل اللي أنا عايزاه". Alexia كانت طول عمرها عايشة في مجتمع منغلق على نفسها واللي شبها، وماكانتش مضطرة تتعامل مع العالم الخارجي إلا لما دخلت الحرم الجامعي في إسكندرية لأول مرة.

شكل Alexia ولهجتها واختيارها للبسها لفت أنظار وانتباه الناس ليها بشكل غير مرغوب، قاسي بس غير مؤذي، وده بيرجع لطبيعة مجتمع متحفظ وأغلبه رجاله زي مجتمع كلية الهندسة في مصر. Alexia بتقول: "الإسكندرانية مابقوش زي زمان ومابقاش سهل تبقي نفسك أو علي طبيعتك لو شكلك أو تصرفاتك مختلفين عن اللي حواليك. أنا لسه بعتبر مصر أرض الفرص وممكن أرجع لو الدنيا اتغيرت لكن لو ده ماحصلش فأنا استكفيت".

صراع شباب الجالية اليونانية في مصر مايختلفش كتير عن صراع شباب مصر نفسها، اللي بقى عندهم أزمة هوية إلى حد كبير، سنين من الانحطاط الاجتماعي وتعثر الاقتصاد ماخلاش قدام شباب كتير أي حل تاني غير إنهم يسيبوا الجمل بما حمل، ويحاولوا يسافروا لأبعد مكان عن هنا؛ بحثًا عن الحرية الاجتماعية وفرص اقتصادية ومهنية. لو فكرت للحظة في سعي الجالية إنها تسيب مصر، هتلاقي إن السبب والنتيجة بقوا مفهومين.

في النهاية، قبل ما اليونانيين يلموا شنطهم وحياتهم وصورهم ويختفوا وننساهم مع عامل الزمن، سابوا وراهم قصص ومباني وذكريات، هتفضل شاهد على مدينة كانت في يوم من الأيام مركز ثقافي وتاريخي عظيم. لو خدت بعضك في يوم من الأيام واتمشيت في يوم شتا على كورنيش إسكندرية، تخيل عروس البحر المتوسط كانت فين وبقت فين، وحاول تبقى أنت السبب اللي هيخلي اللي باقي من الجالية اليونانية وغيرهم من اللي عمروا المدينة، يبقوا عليها وعلينا.

Home
خروجات النهاردة
Home
Home