• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
شيخ بيحوّل أغاني أم كلثوم العاطفية لأدعية دينية
الموضوع اللي فات
"سبيل" أبلكيشن هيحل أزمة نقص الأدوية في مصر

حسن أبو عتمان.. الراجل اللي كتب أغاني عدوية

كتب أغاني مزجت تعاستنا بضحكنا، وخلانا نرقص على وجعنا

في سنة 1967، تحديدًا في شقة من شقق عزبة "أبو أتاتة" المتواضعة، قفل الرجل المكلوم الباب على نفسه يفكر لوحده، ويفرغ حزنه دخان في سقف الأوضة. الألم المرة دي أكبر من قدرة أي شخص على الاحتمال، مصر المرة دي هي اللي اتكسرت. يبص في وشوش الناس العادية فيحس بسنين اتضافت لأعمارهم، ضهرهم انحنى أكتر وزادت تجاعيد الوشوش، واللي شعره كان أسود، غزا الشيب راسه وغرز علمه، امبارح كنا لسه هنرمى تل أبيب ي البحر، النهاردة قلوبنا هتطق مرارة وعجز، طيارتنا اتضربت ع الأرض وولادنا اتهزموا من غير حرب، وجع النكسة مخلي الدموع متحجرة في العيون، مش عارفين نبكي على الأرض ولا الشرف، ولا ولادنا اللي ماتوا من غير ما يضربوا رصاصة، إيه اللي حصل؟!

بمنطِقُه البسيط وسط دخان سيجارته بدأ الكتابة:

"سلامتها أم حسن .. من العين ومن الحسد
وسلامتك يا حسن من الرمش اللي حسد
سلامتها . . سلامتها .. سلامتها أم حسن"

كان هو حسن المقصود وأم حسن هي مصر الجريحة، وبنفس البساطة شاف إن لا البخور ولا الزار هينفعها، مش هينفعها غير إنها تقوم من تاني

"جرى إيه يا أم حسن لايميها واخجلي
لا بخور ولا الزار بينفع ما تقومي وترقصي
سلامتها أم حسن"

في ناس من أول ما يتولدوا تحس إنهم "على حسب الريح ما يودي الريح ما يودي"، "حسن أبو عتمان" الشاعر المحلاوي اللي اتولد سنة 1929، ماكانش عارف مواهبه مودياه لفين، علشان كدة كانت رجله تدب مطرح ماتحب، وكل ما موهبة منهم تندهه كان يلبي بدون تردد، ما يهمش بقى قد إيه من عمري قبلك راح، النداهة كانت تنده وأبو علي يروح وراها.

في البداية لما ابتدى يشتغل في شركة مصر للغزل والنسيج كموظف، اكتشف في نفسه حبه للخط العربي، فكان المسؤول لمدة 10 سنين كاملة من نص الأربعينات لنص الخمسينات، عن كتابة يفط الشركة كلها، حط جنب ده لما اتعملت فرقة مسرح في الشركة، لقى نفسه بيكتبلها مجموعة أزجال اتقالت في المسرحيات لكن مع الأسف ما وصلناش منها حاجة، وده كان كله قبل ما تندهه نداهة كتابة الأغاني بفترة طويلة.

لو روحت قولت لأي شخص إن في واحد شغال في مصنع كبير وبياخد مرتب شهري ثابت بقاله 10 سنين، هيستقيل ويروح يشتغل شغلانه باليومية، ممكن يتجنن ويقولك تعالى نروح نعرفه غلطه، لكن "عتمان" ضد كل حسابات المنطق قدم استقالته من الشركة والنداهة قالتله يفتح محل حلاقة! الحلاقة ماكانتش بتمثله مجرد مهنة بتأكل عيش، حسن كان بيقول عليها "دي فن"، وكان شايف نفسه فنان بيرسم لوحات بطريقته، وفي خلال فترة قليلة المحل بتاعه بقى أشهر حلاق في المحلة الكبرى، عشقه لشغله خلاه يوصل لأنه يتمنى تتعمل مسابقات في الحلاقة ويشارك فيها.

المرحلة دي أخدت كمان 10 سنين من عمره، النداهة ندهته مرة تانية لكن للقاهرة، راح هناك واستقر في مكان متواضع ب"عزبة أتاته" تحت كوبرى الجيزة (كوبرى فيصل) المرة دي الموهبة اللي ندهت عليه كانت كتابة الأغانى، الأغانى اللي عاش فترة كبيرة من عمره بيتهاجم عليها وإنها نوع من الإسفاف، لكنه كان متأكد إنها هتعيش لسنين قدام وإن الناس هيعرفوا قيمتها فى يوم من الأيام وده اللي حصل فعلًا. تعتبر أول بداية فنية ليه أغنية "بنت الحلال"، لكن الانطلاقة كانت مع الفنان "محمد رشدي" وأغنية "عرباوي"

"عرباوي شغلاه الشابة الحلوة السنيورة
أم التربيعة بترسم ضلاية ع القورة
وضفاير غارت م القَصة رقصت على رن الخلاخيل
وعيون يا صبايا ما تتوصى .. غيّة وبتطير زغاليل
بتبص بصة الله عليها
الشمس تخجل قدام عينيها
والبدر يسهى لما يراعيها
وإيش حالي أنا يا أبو قلب غاوي"

قعد يكتب أغاني لـ "محمد رشدى" عشر سنين كاملين، نجم رشدي كان فيها بيعلى ويعلى معاه نجم عتمان، لحد اليوم اللي يتقابل فيه مع الشخص اللي مكتوبلهم يغيروا حياة بعض. في فرح شعبي غاب المطرب بتاعه، ف "أحمد عدوية" اللي كان واحد من الفرقة يقرر ينقذ الموقف ويغني، وزي الأفلام العربي بتبقى دي الليلة اللي بتغير حياتهم للأبد، قعدة الفرح دي كانت السبب إننا نسمع أغاني زي
" يابنت السلطان - ياليل يا باشا - كراكشنجي - حبة فوق وحبة تحت - عيلة تايهه - على فين - زحمة يا دنيا زحمة - كله على كله - ستوه ... الخ"

كان "حسن أبو عتمان" عنده عاطفة بتسيطر عليه زيه زي أي شاعر، يمكن لو كانت كلماته بتدرس في المدارس كانت الإجابة على سؤال ما العاطفة المسيطرة علي الشاعر في حالات كتير هتبقى "عائلته"، أوقات بتبقى عتاب وأوقات حب، وأوقات غيرة، يعنى أغنية "ستو" كتبها بعد مشكلة حصلت بينه وبين ابنه الأوسط "محمد"
"ستو بسبستله بسبوسة بالسمن والسكر و العسل
عسل مكسل يا حوسه عاطل ونايم في العسل"

وبعد فترة من الخصام بينه وبين بنته "أخلاق" واللي سماها بالاسم ده بسبب إنه بيحب مراته جدًا وكان نفسه الناس ينادوا عليها يا "أم أخلاق" كتب لبنته أغنية "عيلة تايهة"
"ستة على ستة نورتي الحتة
مساها شربات وصباحها قشطة
الحلوة خوخة خوخة من بعد دوخة دوخة
و اللي يلاقيها يخطبها في الحال يا ولاد الحلال"

برضه في أواخر أيامه بسبب مشاكل بينه وبين مراته "أم أخلاق" كتب أغنية "صابرين يا دنيا" اللي غناها وليد توفيق

من ناحية تانية التأثر ده كان سبب في أغنية من أكتر الأغاني الشعبية اللي كسرت الدنيا وعملت أول مليون نسخة في عالم الكاسيت في مصر، من العجيب إن موقف من أسخف المواقف اللي ممكن يتعرضلها البنى آدم واللى هو إنك تمر على كمين مرور ويتقبض عليك وتتحط فى الحبس. لكن مع حسن أبو عتمان الموقف ده ألهمه أغنية من أجمل أغانيه. بسبب صديقه اللي دخل معاه في الحبس واللي لما شاف الزنزانة مليانة ناس قعد يردد كلمة "زحمة" بطريقة لا إرادية، الكلمة علقت في دماغ "أبو علي" وكتب الأغنية كاملة في الحجز
"زحمة يا دنيا زحمة .. زحمة وتاهوا الحبايب
زحمة ولا عادش رحمة مولد وصاحبه غايب"


و برضه التأثر ده هو اللي خلاه يكتئب ويبطل كتابة بعد الحادثة اللي حصلت لصديق مشواره الفني الفنان "أحمد عدوية "، أحمد عدوية ماكنش بس رفيق كفاح، الاتنين عاشوا الحكاية وطلعوا السلم سوا، اتحبوا سوا واتكرهوا واتشتموا واتهموا بإنهم مصدر كل إسفاف وانحلال أخلاقي سوا، كان الناس توصفهم إنهم سبب انحدار الذوق العام، ونفس الناس تشتري شرايطهم وتخليها تعمل مليون نسخة، وتخلي الأغنية الشعبي تاخد المركز الأول عند الناس، ده اللي خلى الموسيقار محمد عبد الوهاب يقول: "أحمد عدوية هو هذا المطرب الذي يسمعه المهمشون في العلن ويسمعه المثقفون في الخفاء"، ورغم ده عتمان كان شايف إن الناس لو مافهمتش أغانيه دلوقتي هتفهمها بعدين وده اللي حصل فعلا.

سنة 1990 النداهة ندهت "حسن أبو عتمان" لآخر مرة علشان يعدى للضوء الأبيض ويسيب الدنيا بعد ما كتب أغاني مزجت تعاستنا بضحكتنا وخلانا نرقص على وجعنا، علشان كدة المصريين هيفتكروله إنه غنالهم وعمره ما غنى عليهم.

سلامتها أم حسن
و الله يرحمك يا حسن

Home
خروجات النهاردة
Home
Home