"دي لعبة، مين مابيحبش اللعب؟!"

بالسؤال البسيط ده بيبدأ "خالد زاهد"، الفنان التشكيلي، كلامه معانا. باستخدام سؤال واضح وصريح يوصل رسالته وكسر الصورة النمطية اللي متاخدة عن بلده، المملكة العربية السعودية، ومنتشرة فعلًا فيها زي: منع الستات من السواقة سابقًا، تشدد رجال الدين، واحتياطي الدولة من البترول وازاي ده بيأثر على جميع نواحي الحياة فيها.

مواطن بيعبر عن نفسه وأفكاره بالفن، ومجتمع قضاياه بتستفز الجانب الفني فيه طول الوقت وبتخرَّج إبداعه، النتيجة ممكن تبقى إيه؟ بالنسبة لـ "خالد" حل الموضوع ده كان في إخراج شحنة من "الفن المفاهيمي"، وهو الفن اللي بيقوم على فكرة وبيتكلم عن قضية وبيخليها ملموسة. وفي نظر "خالد" هو النوع الأكثر قدرة من بين كل الفنون على التعبير عن الرأي، تقدر تقول عليها قوة ناعمة بتوصل الفكرة من غر جدالات مابتنتهيش.

إنستجرام ومواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة بتخلّي الواحد قادر على مشاركة حياته اليومية الروتينية بكل تفاصيلها مع مجموعة واسعة من الناس، الموضوع ممكن يبقى ممل لناس كتير، بس لناس أكتر -منهم "خالد"- هو فرصة مهمة. "السعودية بلد غنية بالموضوعات، ومن المهم جدًا بالنسبالي إني ألقي الضوء على الموضوعات المهمة وأحاول أجذب الجمهور ليها، خاصةً الجمهور اللي مابيروحش المعارض الفنيّة"، بيشرح "خالد" أكتر وبيقول إنه مابيصنعش الفن عشان هو موهوب، لكن أولويته هي ملامسة هموم الناس وأفكارهم، عشان كده بيهتم يشوف يومهم ماشي ازاي عشان يلاقي فكرة تلامسهم ويهتموا بيها.

في حوار سابق ليه أكد إنه من صغره بيحاول يوصل اللي عايز يقوله عن طريق الفن، سواء بالرسم على الترابيزات في المدرسة أو على أي ورقة تقع تحت إيده. "زاهد" اتولد في بريطانيا واتربى في جدة ودرس في أمريكا، الخليط ده أثر في شخصيته وأثراها كتير قبل ما يرجع يعيش في السعودية عشان يتابع حياته المهنية اللي بدأها بفن البوب بس سريعًا خطفته واهتم بالقضايا الشائكة في المملكة، بيقول "زاهد": "السعودية بتثيرني، القضايا فيها بتحرك حاجات جوايا وبتشغل دماغي بطريقة تخليني عايز اشتغل".

الشخص المتدين مش لازم يبقى مش عايش حياته. مافيش حاجة في القرآن أو السنة بتقولك ماتكلش آيس كريم ولا تلعب رياضة، الموتوسيكلات مثلًا كمان مش حرام على فكرة في الدين

الإسلام دين يسر وليس عسر

مشروع "خالد" الجديد بيغطي موضوع أعم وأشمل وأخطر من قيادة المرأة، وهو سلسلة صور بعنوان "بساطة الإسلام". الغلطة في المشروع ده بفورة، تكفير رسمي. وبدل ما مؤخرًا معظم صور الشيوخ المنتشرة بتكون لشيوخ تكفيرين، صوَّر "خالد" شيوخ في ملاهي -بالثوب الأبيض والعقال- وشيوخ بينفخوا بلالين. بيقول "خالد" إن الرسالة الأساسية في مشروعه ده كانت "الإسلام دين يسر وليس عسر".

في دولة بتتهم بالتشدد، حاول "خالد" يظهر الجانب الآخر -المظلوم- من الدين الإسلامي، "في السعودية الدين بيلعب دور محوري في حياة الناس، لكن للأسف بيتم التغاضي عن روح وجوهر الدين وأركانه في مقابل المظاهر، وده في النهاية بيبعد الناس عن الدين وبينفرهم منه". على الجانب التاني هو برضه بيحاول يحسِّن صورة الشيوخ ورجال الدين، "الناس خايفة من رجال الدين، لكن أنا وغيري كتير شفنا منهم ناس بتدعو للحق فعلًا وناس عادية زينا، ودول اللي بحاول أركِّز عليهم". كلمة "ناس عادية" استوقفتني، يعني إيه؟ بيقول "خالد" إن الناس مصدقة صور نمطية مش صح، "الشخص المتدين مش لازم يبقى مش عايش حياته. مافيش حاجة في القرآن أو السنة بتقولك ماتكلش آيس كريم ولا تلعب رياضة، الموتوسيكلات مثلًا كمان مش حرام على فكرة في الدين".

"الإقصاء ما بيفيد"، فكرة "خالد" ممكن تبان مكررة لناس، ولناس تانية هتبان فكرة هدامة بتقلل من الدين وشيوخه، بيرد "خالد" على الادعاءات اللي بيواجهها في بعض الأحيان بـ "أفكاري يمكن غريبة شوية للمجتمع حاليًا، لكن شكرًا للفن اللي بيخلي الناس تستوعب أفكار بعيدة عنها بقدر أقل من الصدمة".

الفنانين أصحاب الأفكار الثورية بيبقوا مؤثرين بنفس القدر اللي بيكونوا بيه مثيرين للجدل، مش شرط التأثير يطول المشاهدين بس من الجمهور العادي، في حالة "خالد" تأثيره امتد للشيوخ نفسهم. بيشرح أكتر، "بعد نشر الصور، كلمني شيخ يطلب مني استمر في اللي بحاول اعمله، وقاللي قد إيه الصور فرقت معاه وغيرت في طريقة تعامله مع الناس عشان يبان ودود أكتر".

العروسة "أمل"

في 2017 موضوع سواقة الستات في السعودية حصل فيه تطورات كتير، لكن "خالد" من 2013 بدأ يناقش الفكرة عن طريق رسم ست منتقبة على باب عربية لابسة "ببيونة" عليها كلمة "حرية"، بيقول "خالد": "عملت القطع دي على أمل إن الستات تتمكن من القيادة في يوم من الأيام".

وفي 2017 حاول يفكَّر الناس بحق الستات المسلوب لكن عن طريق حاجة أقوى، العروسة "أمل". عروسة شبه باربي لكن لابسة عباءة وليها جناحين. "خالد" شايفها أهم أعماله لإنها قدرت توصل فكرته بطريقة إيجابية ومبهجة، "أعتقد إن دمية أمل كانت أقوى قطعة في السلسلة كلها، في الآخر دي عروسة ومين مش هيحبها؟ كبير، صغير، أي حاجة، هتحب العروسة وممكن فكرتها تأثر فيك". جدير بالذكر إنه في سبتمبر 2017 المملكة أعطت السيدات حقهن في القيادة.

معارضة الفكر السائد في دولة زي السعودية حاجة مش سهلة، ازاي قدر يلعب على الخيط الرفيع الخاص بتوصيل فكرته من غير ما يعارض أفكار المجتمع بشكل مُنفِّر؟ بيضحك "خالد" ويشرح إنه استخدم استراتيجية خاصة بيه، وهي "معلقة عسل قادرة على تجميع عدد كبير من الفراشات"، بمعنى؟ "يعني كنت بالعب على الخطوط الحمراء بدون تجاوزها، بطريقة مضحكة قدر الإمكان وإيجابية".

البترول مش هيدوم، لازم نبدأ من دلوقتي نفكر في خطط بديلة ومشاريع موازية لتصدير البترول، ونشتغل عليها عشان لما يخلص الاقتصاد مايقعش زي ما الكل متوقع

السعودية يعني البترول والبترول يعني السعودية

عشان كده كان طبيعي "خالد" يخرج مشروع خاص بالثنائية دي. "بداية النهاية"، ده اسم مشروعه وهو عبارة عن مضخة نفط لكن مفككة، ليه مفككة؟ ورسالته من ورا المشروع ده إيه؟ بيقول "خالد" إن السعودية اكتشفت البترول في سنة 1938، ومن وقتها واقتصادها معتمد بشكل كُلّي، حوالي 80%، عليه. "البترول مش هيدوم، لازم نبدأ من دلوقتي نفكر في خطط بديلة ومشاريع موازية لتصدير البترول، ونشتغل عليها عشان لما يخلص الاقتصاد مايقعش زي ما الكل متوقع".

"القطعة مفككة بالكامل، وده بيعكس ازاي المملكة كل فترة بتبعد أكتر عن الحقبة البترولية" بيشرح "خالد" أكتر عن تصميمه، "فاضل فيها جزء واحد شغَّال، وده بيعكس الوقت والجهد والأموال اللي بتنفذ مننا. بالورقة والقلم ووفقًا للدراسات العلمية، الحقبة البترولية هتنتهي في 2030". بيفكَّر "خالد" شوية وينهي كلامه، "وقتها هنعمل إيه؟ ده اللي بحاول أفكر فيه".

أثر الفراشة لا يرى، ولا يزول. عشان كده تأثير "خالد" وغيره من الفنانين السعوديين أشبه بالحجر اللي بيترمي في المياه الراكدة، مش هيسبب التغيير الشامل، لكنه خطوة ليها تأثيرها.

اقرأ الموضوع بالانجليزي من هنا.