• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
الإمارات ثاني أعلى دولة في العالم في الإنفاق على التعليم
الموضوع اللي فات
المترو: غرامة مالية على الدخول بسكاكين أو حديد أو طيور

"هي لله": الأضحية في العيد بين تضارب الفتاوى وحقوق الحيوان

الحيوان بياخد من دقيقة لـ 5 عشان يموت

أنت دلوقتي خارج من صلاة عيد الأضحى، حواليك أطفال صغيرين بجلاليب بيضاء وبنات في إسدالات صلاة بألوان زاهية. فيه بلالين كتير مرفوعة وسامع أصوات تكبير ومعايدات. ممكن تلاقي بنبوني بيتوزع من ناس ماتعرفهاش. الكل مبتسم، مشهد جميل وغاية في السلام. ممكن تكمل العيد في سلام كده لو أنت ماعندكش مشكلة مع ذبح الحيوانات، سواء كفكرة عامة أو كاعتراض على تفصيلة زي ظروف الذبح، لكن لو عندك مشكلة مع الموضوع، مشهد ذبح الأضحية اللي هتقابله بمعدل 5 مرات في كل شارع تعدي فيه، هيعكَّر عليك صفوك.

"الجدي بيبدأ من 1600 جنيه والخروف من 3800 جنيه، هاجيب منين فلوس ليه وأنا المفروض أعيش شهر بكامل أنا وطفلين بـ 4000 جنيه؟" بالجملة دي بتبدأ "إسراء حامد"، الأم اللي بتربي طفلين لوحدها، شرحها لحكايتها مع "اللفّ" على المواقع وأرقام دار الإفتاء والشيوخ عشان تعرف الأضحية بتشمل إيه؟ عجول ومواشي ودواب بس، ولا الدائرة بتوسع عشان تشمل كمان الطيور الأرخص سعرًا؟

الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أفتى قبل كده بجواز دبح الطيور كأضحية، بسبب ارتفاع أسعار المواشى. وفى السياق نفسه أيده الدكتور عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، وقال إن الهدف الأعم هو التيسير على المسلمين. واستشهد بقول سيدنا بلال رضى الله عنه: "لا أبالى إن ضحيت بديك".

الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، حرَّم ذبح الطيور واعتبارها أضحية، شرح أكتر عن أسبابه وقال إن الهدف الرئيسي من الأضحية هي إلزام المقتدرين على ذبح البقر والغنم والماشية وتوزيعهم على الفقراء. لكن لو الفقراء نفسهم هيدبحوا، يبقى التوزيع هيتم على مين؟ بمعنى تاني، هتبقى إيه الاستفادة من الأضحية؟

"إسراء" سألت أكتر من 4 شيوخ، منهم شيخ أزهري أفتى بجواز دبح الطيور، لكن لمَّا طلع على قناة فضائية قال العكس! "لمَّا رجعت اتصلت بيه عشان أفهم ليه غيَّر فتوته قاللي إن فتاوى كتير ماينفعش نخالف فيها رأي عموم علماء الأزهر عشان مايحصلش بلبلة". لمَّا حاولت تفهم منه أكتر وتعرف أنهي فتوى في الاتنين هي الصح، قاللها استفتي قلبك.

عشان استفت قلبها قررت تضحّي بطيور، "إسراء" في الأساس ورثت طقس الذبح من عائلتها، فبقى أكبر من كونه واجب ديني. "بعوز أدبح عشان دي فرحة العيد، اتربيت على كده وعايزة أربي ولادي على كده حتى لو الماديات ماتسمحش. ربنا قال إن الدين دين يسر مش عُسر، وأنا بدبح اللي أقدر عليه عشان أوزعه في سبيل الله، مين يقول إن ده لا يجوز؟" ده تالت عيد "إسراء" تقرر تضحّي بطيور وتخلي ولادها يشاركوا في الزيارة دي عشان "يشوفوا فرحة العيد".

موروث من الديانات الإبراهيمية المختلفة

الأُضْحِيَّة هي اسم بيوصف الشئ اللي بيتم التذكية بيه تقربًا لله، وهو فعل موجود في الديانات الإبراهيمية التانية وفي بعض الديانات الوثنية. في الإسلام، اتفرضت في السنة التانية من الهجرة، وهي نفس السنة اللي شُرِّعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال. وعليها أدلة من القرآن والسنة، سواء قولية أو فعلية، وبيتم النحر بعد صلاة الضحى في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة.

عند اليهود الأضحية ليها تشريعات وقوانين محددة اتذكرت كلها في سفر "اللاويين" في التوراة. السفر ده هو السفر التالت في الكتاب المقدس وواحد من الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة لنبي الله موسى، وبيقدم لليهود شرح لإزاي بيقدم الكاهن الذبيحة؟ وشروط الذبائح من العجل، الغنم أو الطيور. وبيبدأ السفر بالآية: "كلم بني إسرائيل وقل لهم: إذا قرّب إنسان منكم قربانًا للرب من البهائم فمن البقر والغنم تقرّبون قرابينكم، إن كان قربانه محرقة من البقر فذكرًا صحيحًا يقرّبه".

"محمود إبراهيم" قضى طفولته في قرية من قرى المنيا، وبسبب انتماءه لأسرة من كبار القرية، كان الذبح عندهم مش مقتصر على عيد الأضحى بس. "الدبح في الصعيد مظهر من مظاهر الاحتفال، زي اللي بيوزع حاجة ساقعة هنا كده، يعني لمَّا أخويا الصغير اتولد دبحنا، ووقت رجوع أبويا من العمرة دبحنا".

الشباب في الصعيد بيحملوا مجموعة من المسؤوليات لازم يقبلوها ويرحبوا بيها كمان عشان يحصلوا على تصنيف "راجل"، فالرجولة هناك مرتبطة بالأفعال دي ارتباط وثيق. من ضمن الأفعال دي إن الولد يبقى "قلبه جامد، مش طري" حسب وصف "محمود". "من سن الأربع سنين كنت بنزل أحضر الدبح، زي كل ولاد القرية. ولحظي السيء كنت بخاف من المشهد وأعيَّط، وده كان بيسبب لي متاعب ومشاكل كتير". "محمود" دلوقتي، كشاب عايش في القاهرة وعلى قدر من الثقافة، بيعبر بأريحية عن "خوفه" من مشهد الدبح، لكن لسنوات طويلة تزيد عن الـ 15 كان بيداري حقيقة مشاعره تجاه الموقف عشان مايتوصمش بإنه "طري" أو ألفاظ تانية أكثر خشونة.

"وأنا صغير كان الموضوع بيتقلب ضحك بكلمتين من الرجالة الكبار ويعدّي، لكن في فترة مراهقتي كان الموضوع بيبقى مشكلة وبستنى كل عيد وأنا عارف إن فيه خناقة هتحصل بيني وبين أبويا ورجالة العيلة، في مرَّة صمم عمي الكبير إني أمسك السكينة بنفسي وأساعد في الذبح، وعملت كده فعلًا عشان ماحدش كان بيكسر له كلمة". بيختتم "محمود" كلامه ويشكر الظروف اللي بعتته للعيش في القاهرة، على الأقل في أوقات الأعياد هو مش مضطر يذبح ولا يحضر المشهد لمجرد إثبات رجولته.

"ياسمين كُريم"، نباتية، بتشوف مشهد الذبح المتعارف عليه في مصر كانتهاك لحقوق الحيوانات وحقوق الأطفال اللي بيحرص أهاليهم على اصطحابهم لعملية الذبح. "الاحتفال بعيد الأضحى معظمه قائم على انتهاك حقوق الحيوان، بنعاملهم طول الوقت على إنهم أشياء وده بيظهر بشكل أوضح في العيد". المؤمنين بالشريعة الإسلامية هيشوفوا إن ذبح الحيوانات ومن ثم أكلها ده أصح للنظام البيئي ككل، وإن أي خلل في العملية دي هيسبب خلل في نظام الكوكب البيئي كل. ده طبعًا بالإضافة لإيمانهم بآيات مختلفة زي آية سورة المائدة اللي بتقول "أحلت لكم بهيمة الأنعام". بترد "ياسمين" على النقطة دي وتقول "أنا ضد الذبح بكل أنواعه وفي المطلق حتى لو حسب الشريعة، لكن هما حتى بيدبحوا بشكل منافي للشريعة الإسلامية".

شروط الذبح في الشريعة الإسلامية كتير، أهمهم إن الحيوان مايظهرش قدامه السكينة اللي هيتم ذبحه بيها، وإنها تكون ضربة واحدة عشان ماتستمرش معاناته لوقت طويل، وإن العملية تكون ذبح أو نحر. هل ده بيحصل في مصر؟ بتشرح "ياسمين" أكتر وجهة نظهرها، "مافيش رقابة من الأزهر على الأضاحي. الذبح بيحصل بطرق منافية للشريعة وفي أي مكان، الشارع وعلى السطوح ومداخل العمارات، الحيوانات بتبقى قدام بعض وشايفة بعض. حتى طريقة نقل الحيوان من مكان لمكان سواء للتسمين أو الذبح بتكون غير أخلاقية، فـ أنا ضد كل ده".

دم الأضحية له شأن كبير في الأديان الإبراهيمية والأساطير الشعبية المصرية كمان، في الإسلام فيه حديث صحيح بيقول فيه الرسول "ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا". وفي شرح ابن العربي للحديث، بيقول إن المقصود من الحديث إن الدم بعد ما بيشاهده الحاضرون للذبح المفروض يتساب على الأرض "ولا ينتفع به".

كجزء من الأساطير اللي لحد النهاردة البعض بيؤمن بيها، بيستخدم دم الدبيحة لعلاج العقيمة، بإنها تعدي فوقه سبع مرات بعد الذبح مباشرة وهو لسه سخن متدفق من الأضحية. ويقال إنه "بيفك المربوط"، أما الخرافة الأشهر هي عمل "كف الدم" على حوائط البيت لصرف الجن وإبعاد الشيطان وعين الحاسد.

سواء كنا مؤمنين بإن دم الأضحية له كرامة وفيه شفاء للناس أو مؤمنين إنه لا ينتفع به، ده مش هيغيير شئ من المشهد المتكرر اللي بيحصل كل عيد أضحى بعد الصلاة. أطفال متجمعين بيغمسوا إيديهم في دم الأضحية وبيطبعوها على الحوائط والعربيات في بعض الأحيان كمان.

لمَّا سألت "إسراء" هل ولادها بيغمسوا ايديهم في الدم كجزء من الاحتفال بالعيد؟ أكدت على ده وعلى ضرورة فعله، "في ناس على الفيس بتقول إن غلط وحرام الأطفال يحطوا ايديهم في دم الخروف، لكن أنا مابفهمش وجهة نظرهم، هو كده كده اتدبح، وده تقليد ورثناه من أهالينا والبيوت كلها في الأرياف متعلمة بكفوف الدم لحد دلوقتي. ليه مانعملش كده؟" على الناحية التانية، "ياسمين" قررت تغيير ميعاد سفرها خارج القاهرة تحديدًا عشان ماتشهدش الذبح في الأماكن المختلفة.

"ياسمين" شايفة إن الذبح جزء من الديانة الإسلامية، لكن وسط غياب الرقابة من الدولة وانعدام ثقافة احترام الحيوان على المستوى المجتمعي، ومؤخرًا ارتفاع أسعار المواشي بشكل جنوني، بتسأل طب ليه مصممين ندبح رغم إن فيه بدائل كتير صحية أكتر؟ بتكمِّل "الحيوان بياخد من دقيقة لخمسة عشان روحه تطلع بشكل كلي، كل ده موت بالبطئ ومعاناة هو عايشها وسط أطفال بترقص وناس بتكبَّر من غير أدنى احترام أو إجلال لروحه اللي بتطلع، عشان كده أنا ضد الدبح في الفترة دي لحد ما يبقى عندنا ثقافة ورقابة أكتر".

الصور من Reuters

Home
خروجات النهاردة
Home
Home