• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
5 مصريين فازوا بجوائز "محمد بن راشد للإبداع الرياضي"
الموضوع اللي فات
وزارة الاتصالات هتوزع تابلت على كل مأذون لتسجيل عقد الجواز

فيلم "Cold War".. عشق اللا سلم واللا حرب

تعالي معي إلي الجهة المقابلة سنري مشهد أجمل من هناك
فيلم Cold war

عندما يرتقي الحب إلي المستحيل، يصل لأعلي مراتب العشق الأبدي دون قواعد أو حدود.. قاهر وكاسح على مر الزمن كما عذاب الحرب الباردة.. لا سلم لا حرب للأبد.

في هذه الملحمة البصرية الممتعة يأخذنا صاحب الأوسكار عن فيلم (Ida2013) المخرج والكاتب البولندي الكبير بول بوليكويسكي Pawl Pawlikowski، إلى تجربة مختلفة وفريدة من نوعها، استحقت 12جائزة أهمها جائزة مهرجان كان السينمائي 2018 كأفضل إخراج وتم ترشيحه لسعفة كان الذهبية أيضاً وأفضل فيلم بمسابقة الأفلام الأوروبية 2018، كما حازت بطلته المغنية والممثلة جوانا كوليج Joanna Kulig  على جائزة أفضل ممثلة بمهرجان الجونة السينمائي الأخير 2018، بخلاف 7 ترشيحات هامة بمهرجانات عالمية أخرى.

صاغ الكاتب أحداث الفيلم متأثرًا بتاريخ وثقافة بلاده في هذه الحقبة (1949- 1964) المتمثلة في تبعيات خراب الحرب العالمية الثانية وما خلفته من تدهور سياسي واقتصادي واجتماعي على بولندا في هذا الوقت، واستعار أسماء والديه الحقيقين للأبطال وهيكل معناة قصة حبهم الكبير في الواقع في هذا العمل الخاص جداً، الذي أخرجه بميكانيزم منفرد يجعلك تصدق أنها مشاهد حية من هذه الفترة

و ليس مجرد إخراج جيد يحاكي الزمن القديم، لذا قدمه في صورة الأبيض والأسود لأنها الصورة الأكثر صدقاً لهذه الحالة الضبابية التي عانت منها بولندا في مثل هذا الوقت، وأيضا للإيحاء بالتضاد القوي والمعاناة بين شخصية بطلي العمل والمشتركان فقط في حياتهما البائسة، رغم إختلاف خلفياتهما تماماً شكلاً ومضمونًا.

تبدأ الأحداث ببولندا عام 1949 مع بحث فرقة التراث الريفي البولندي للفنون الشعبية عن مغنيين وراقصيين لبث هذه الروح الفلكورية من جديد، فنجد أن الأغاني في الخلفية طوال الفيلم منذ بدايته تلعب دورًا مميزًا لا يقل أهمية عن أبطال العمل في سرد الأحداث وحكي المواقف المصاحبة لكل مرحلة في هذا الفيلم الهام.

"قلبان وأربعة عيون – كانت تبكي طوال الليل والنهار – العيون السوداء التي كانت تبكي ما عاد يمكنك أن تلتقيها" هكذا غنت زولا (جوانا كوليج Joanna Kulig ) في سحر أسر تلابيب فيكتور (توماز كوت (Tomasz Kot في اقتحام معلن عن بداية عشق فريد مخترق لكل حواجز الواقع، تميزت عن الجميع وسطعت وحدها وسطهم منذ اللحظات الأولى، شيء ما غامض بل ساحر لا يقاوم، فهي جامحة ثائرة مجنونة، عنيدة ومسيطرة، حادة متقلبة المشاعر بل موهوبة بالتفرد والذكاء أكثر من الغناء، لها طاقة روح وإحساس غير معلومة الأسباب. لم يجد فيكتور أمامها إلا الاستسلام لعشقها كما فشل المنطق لإيجاد أي أسباب تجعله يقع أسير هذا الغرام، فيهجر المنطق بكل ما فيه ويكرس حياته سعياً خلفها مهما كانت العواقب.

وارسوا 1951 - الأحداث السياسية في الخلفية مستمرة وتأخذ منعطفاً قاسياً يجبر الفرقة علي ترك أغاني التراث الريفي والاتجاه لتمجيد الرؤساء والحث علي السلام والتطبيع المزيف، فتفقد الفرقة روحها الحقيقية ويتم إصباغها بالأغراض السياسية قهراً ويتكسب مدير الفرقة أموالاً ونفوذاً وسلطة وهو مايرفضه فيكتور تماماً ويتفق مع زولا على الهروب لفرنسا لقضاء بقية عمرهما سوياً، تخذله فتاته وتتركه ينتظر وحيداً لساعات بل سنوات! أهلكته كما أهلكت تلك الأنظمة شعوبها، وتستمر الحرب الباردة لسنين تستنزف الدول والعاشقان معاً.

باريس 1954 – نقلات زمنية كبيرة قصد بها المخرج نمط القفزات علي مدار الفيلم، تبنى من خلاله أسلوب وقوع الحدث دون تنويه أو تحضير له ليبرز قوة المشهد اللحظية ويتم ربط الأحداث بعدها من قِبل المشاهد في متعة وسلاسة. نجد فيكتور يعمل كعازف بيانو في إحدي كازينوهات باريس كوسيلة للكسب المادي فقط، لكنه فقد شغفه بالحياة تماماً بعد رحيلها، ثم يحدث اللقاء بينهما وتعترف زولا بصراحتها المعتادة والصادمة بحبها الدائم له، لكنها أكثر واقعية لذلك خذلته في الهروب، لأنها متأكدة من فشل هذه القصة الحالمة، لكنها ما زالت تعشقه رغم أنها الآن متزوجة وهو مرتبط بأخرى! لكن سيظل عشقهما مؤثر، مسيطر وفارض ذاته على حياتهما دون حيلة لهما في ذلك، لذلك يلقبها فيكتور بإمرأة حياته وقاتلته. قد تكرهها أو تحبها وقد تنفر من ضعفه وانتظاره لها مهما كانت الظروف، لكن قصة عشقهما باتت أمرًا واقعًا ومعذبًا لكل من فيها ولا يوجد حل، كما حال الحرب الباردة المسيطرة على البلاد.

يوغوسلافيا 1955 – تستمر زولا في جولات فرقة الفنون المُسيسة تغني بلا روح وتشعر بالخواء، تستسلم لحقيقة أن الموت في فراقهما ولا يبعث النور من جديد إلا باللقاء. يخاطر فيكتور بحياته للوصول إليها هناك، لكن يتم ترحيله مرة أخرى لفرنسا. الواقع مرة أخرى يفرض نفسه ويُهلك هذا العشق الحقيقي.

باريس 1957 – تتوقف الحياة ولا تعود إلا بها عندما سافرت له في باريس وكان هو دائم الانتظار لها وللحياة ذاتها، فنهلا من عشقهما دون اكتفاء واطمئنا مؤقتًا لهذه الحياة الجميلة، لكن سرعان ما اغتال الواقع هذه الصورة العاشقة وفرقهما في ألم بمشهد بديع، عندما كانت تشدو بوجع نفس الأغنية القديمة لكن باختلاف كلاماتها هذه المرة: "كان الأحتقان قادر أن ينفجر في عيوننا – وكنا جاهزين كي نفترق كحبيبين" ورحلت مرة أخرى إلي بولندا وتكرر الفقد والرحيل يُميت أجزاء من العاشقين وهما لا زالا على قيد الحياة.

بولندا 1959 – خاطر فيكتور بحياته مرة أخرى كي يصل إليها في بولندا لكن تم سجنه على الحدود وتعذيبه حتى شوهت أصابعه فلا يقدر على العزف مرة أخرى، فهو الآن هالك من دونها ومن دون شغفه في الحياة ولم ينقذه من هذا الموت الطويل إلا رؤيتها عندما زارته في السجن واستطاعت إخراجه.

1964- يتوصل العاشقان لحقيقة لا يمكن إغفالها بعد كل هذه السنين، بأن العشق النقي لا يستمر في هذا العالم البغيض وسيقهره القدر باستمرار كالمدينة الفاضلة التي لن نجدها أبداً في هذه الدنيا، دوماً ستتحكم السياسات الدنيئة في مصائر الشعوب ومعاناتها. رغم أن زولا تزوجت و أنجبت صبي من مدير الفرقة الوصولي، لكنها تستنجد بفيكتور لطلب وسيلة النجاة الأخيرة وهي الخروج من هذا العالم المزيف وعدم العودة إليه مطلقاً، ففي فراقهما الموت الحقيقي، أما السبيل الوحيد في البقاء سويًا هو الخلود في الحياة الأخرى.

في مشهد رائع ومؤلم بنفس مكان لقائهما الأول، يتزوجا للأبد ويتخلصان من حياتهما الدنياوية سوياً كوسيلة للنجاة من موت الفراق وحفاظاً علي استمرارية هذا العشق النادر، عشق الحرب الباردة.

نختتم الفيلم بقول زولا :"تعالي معي إلي الجهة المقابلة سنري مشهد أجمل من هناك".

Home
خروجات النهاردة
Home
Home