• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
قصر "الاتحادية" بقى ضمن الآثار
الموضوع اللي فات
مش إعلانات بس.. "اتصالات" اتبرعوا بأكل لقرى الصعيد وسراير للمستشفيات

"عندنا انفجارات كل يوم كأننا سوريا": يوم في قرية أهلها بيصنعوا بمب وصواريخ

كل يوم بيموت واحد عندنا وماحدش بيعرف حاجة

لما كانوا بيجيبوا في الأفلام إن فيه مكان فاسد، واللي بيدخل فيه مابيطلعش، واللي بيخرج وعايز يرجع مابيقدرش، ماكنتش بصدق أو بحس بالأفورة. مثال بسيط، في مشهد من فيلم "الباطنية"، أحمد زكي اتكشف وعرفوا إنه ظابط، وبيتكلم مع رئيس مكافحة المخدرات عشان يكمل المهمة، رئيسه قاله: تخلص مهمتك ازاي؟ أنت مش هينفع تكمل المهمة، ومش هتقدر تدخل الباطنية تاني"، يمكن الجملة تخض وتخليك تحس إن استحالة يكون فيه مكان بتخرج منه ماتعرفش تدخله تاني، أو حتى تخاف وأنت موجود جواه. 

ده اللي بيحصل في قرية "النزلة" بمحافظة الفيوم، قرية على بُعد ساعتين من القاهرة، بتشوف الموت كل يوم، هتقدر بسهولة تشم ريحة البارود وأنت داخل على القرية. بمجرد وصولي، كانوا أهل البلد مشغولين بصلاة الجمعة وخارجين من المسجد، وقتها بدأت أسأل الناس فين الورش اللي بتبيع بُمب وصواريخ؟ قابلت إجابات زي "مانعرفش" ودي حصلت أكتر من مرة بدون تفكير أو تردد، و"مفيش الكلام ده هنا"، والإجابة اللي ادتني نوع من الأمل، لما جاوبني شاب: "لأ خلاص دول شطبوا ومستنيين يعيّدوا دلوقتي، مش هتلاقي حد"، الأمل ده راح وحل مكانه يأس وقررت أرجع القاهرة، وفي نفس اللحظة نده عليا شاب قاللي: "بتسألي عنهم ليه؟" جاوبته: "أنا باعمل موضوع عنهم وحابة أتكلم معاهم وآخد منهم معلومات"، قاللي: "ماحدش هيقولك حاجة واستحالة تتكلمي معاهم عشان هتقابلي ردود أفعال تضايقك، واستحالة كمان تقدري تصوري، انتي وهما هتروحوا في داهية".

في جملة اتقالت في فيلم "الجزيرة" ماكانتش بتروح عن بالي: "عندنا يا بيه ماحدش بيقول للغريب الحقيقة، بتفضل مدفونة جواهم، لإن حتى لو قالوهاله مش هيفهمها، لإنه مش زيهم ما هو غريب يا بيه".

رجعت أحاول أتناقش معاه وأوضحله إن مش هيكون فيه ضرر، طالما هيتم تغيير الأسامي، ومافيش تصوير، فبدأ الشاب محمد -اسم مستعار- يتكلم ويحكيلي عن الصناعة في البلد، فبيقول: "الصناعة دي بدأت من أيام جدودنا، اتولدنا لقينا نفسنا بنعرف نشتغلها، مش محتاجة وقت ولا مجهود عشان نتعلمها، أنا طلعت لقيت جدي وأبويا شغالين فيها، وأغلب البلد شغالين فيها وفيه منهم اللي بيطلعوا برّه مصر يجيبوا المواد اللي بتتعمل بيها الصواريخ والبمب"، وبشرح أوسع: "3 مواد هما، الكحل والأبيض والحلاوة، بالنسبة للكحل والحلاوة، دول عبارة عن صخر من جبال، وبييجوا من المغرب، لكن الأبيض بييجي من الصين، ويعتبر مادة بتدخل في تكوين البمب والصواريخ".
 
بيقطع كلامه ويقول:"بصي أنا هاحكيلك وهجاوبك بس بعدها خدي أسئلتك وامشي عشان ماحدش يضايقك، وبيكمل: "الناس هنا بتموت بسبب الصواريخ، والورشة لما بتضرب بتاخد اللي فيها كله، وبتوقع بيوت، كل أسبوع بيت بيقع وناس بتموت".

البُمب والصواريخ بيتعملوا من نفس المواد لكن باختلاف التركيبة، كل حاجة ليها شكل مختلف في التصنيع. علبة الصواريخ الواحدة بحوالي 90 قرش، واللي جاي يشتري بياخدها ويبيعها في القاهرة بـ 5 جنيه مثلًا، والشمروخ بـ 10 جنيه، يبيعه في القاهرة 40 و50 جنيه
بيشرحلنا "محمد": "طبيعي اللي ببشتري يكسب أكتر ومايخسرش حاجة، لكن إحنا هنا اللي بنخسر، حتى لو بنكسب ماديًا، لكن احنا عايشين الخطر وبنشوفه كل يوم، لكن هو بيوصله الشغل على الجاهز والخطورة أقل، لأن الخطورة بالنسباله إن الحكومة تطب عليه تاخد الشغل وخلاص، لكن مش معرض إنه يموت ولا بيته ينفجر!"

المادة رقم 102 – أ من قانون العقوبات بتنص على "يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد كل من أحرز مفرقعات أو حازها أو صنعها أو استوردها قبل الحصول على ترخيص بذلك، ويعتبر في حكم المفرقعات كل مادة تدخل في تركيبها ويصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية وكذلك الأجهزة والآلات والأدوات التي تستخدم في صنعها أو لانفجارها"

أهل النزلة كل يوم معرضين للموت في أي لحظة وبسبب أقل غلطة، وده كان واضح من وقت ما بدأ يتكلم، كلام بيوحي بإن اللي غريب عليه الكلام ده لازم يخاف ويستغرب من وجود حاجة زي دي بتحصل، وبيأكد ده محمد: "تاني يوم رمضان السنة دي، ست بتصنع البمب، الورشة ضربت وماتت، والمفاجآة بالنسبالك هي إن جوزها اشتغل تاني يوم عادي، وبيشاور على شارع تاني وبيقول "وواحدة تانية ماتت في الشارع ده وحصل معاها نفس اللي حصل مع اللي قبلها" وبيكمل: "أي حد بيموت له حد بيكمل شغل عادي، ده الناس بتبقى ايديها متقطعة نتيجة –إصابة بسبب الصنعة- وبيشتغلوا برضه، مابيحرموش ومفيش فايدة".

قصص كتير وكل يوم بيحصل انفجار، ووقت ما بيحصل بيبقى أهل القرية عارفين إن أكيد حد مات، وأوقات بيبقى أكتر من شخص، حسب اللي موجود في البيت، وكل عيلة في القرية فقدت شخص بسبب الصناعة، وأبسط مثال محمد اللي حكالنا عن بنت عمه، اللي توفت لما كان عندها 15 سنة رغم إنها ماكانتش شغالة وكانت راجعة من الكُتّاب، وبمجرد دخولها، المونة ضربت وأبوها وأمها جريوا وهي فضلت وسابوها تموت".

أغلب الستات اللي عايشين في القرية مابيعرفوش يشتغلوا شغلانة تانية، وده راجع لإن أهاليهم وأجوازهم بيشتغلوا فيها، وهما بيمشوا على نفس الخُطى. للأسف، ضرر الصناعة دي مابيفرقش بين راجل أو ست أو طفل، ورغم سهولة تعليمها وإن في أقل من يوم هتكون محترف فيها، لكن الغلطة بموتة، وبتفصيل أكتر: "اللي بيموّت على طول الصاروخ، واللي بيموت على مراحل، البُمب، يعني ممكن يقطع أيادي أو يعوّر بس".

وفق لتقرير صدر من الجمعية الأمريكية للجراحة التجميلية والترميمية، بتقول فيه إن مخاطر الألعاب النارية تتمثل في "الدخان المنبعث منها، بحيث انه يضر مرضى الربو ومرضى القلب والأوعية الدموية، وتسبب أضرارا لمنطقة العين وحروق فى الجفن وتمزق وانفصال فى الشبكية، وقد يؤدى الأمر إلى فقدان كلّى للبصر، وتكون الحروق والإصابات معظمها فى اليدين والعين والوجه والأطراف 

على الرغم من إن البلد شغالة في صناعة البمب وممكن يصنعوا "بُمبة" تفجر أي بيت في ثانية، إلا إن لما يكون فيها سوء تفاهم بين أهل البلد وبعضهم، مابيتعاملوش بالطريقة دي ومابيستخدموش الصنعة في رد الاعتبار، وبيحكموا كبار البلد زي ما بيحصل في أي قرية ومركز.

الصنايعية اللي زي النقاشين ممكن يحسوا إنهم بيعملوا فن أو حاجة مميزة، لكن إحنا هنا مابنحسش أي حاجة غير بالخطر بس، وللأسف رغم الإحساس ده لكن هي في الأول والآخر إدمان

في وقت ما كان بيحكي "محمد"عن البلد وأحوالها، خرج والد محمد من البيت بيسأل: "فيه حاجة؟" وبيجاوبه: "لأ دي صحفية جاية تكتب عن البمب والصواريخ"، فبسرعة يرد الأب: "والله العظيم والله العظيم لو عرفتي تقطعي الشغلانة من البلد بنت الكلب دي هديكي مكافأة 20 ألف جنيه، وبصي ماحدش هيدلك على الحقيقة، بس اعملي محاولة"، وبيكمل: "ده كل أسبوع فيه واحد بيتقطع، وبيموت وبياخدوه مستشفى من المستفشيات الاستثمارية اللي هتعرف تداري الموضوع، وأهو اللي بيموت ماحدش بيعرف عنه حاجة والسر بيتدارى".

الإجابة دي بالتعبير اللي كان على وشوشهم خلاني أسأل: فين الحكومة والشرطة والمستفشيات من كل ده؟ حوادث ووفيات وانفجارات وصناعة مخالفة وروايح بارود، كل ده ماحركش الحكومة عشان تاخد رد فعل قوي؟ 
بيجاوب محمد: "الحكومة في المركز عارفين مين شغال ومين مش شغال، وسايبينهم عشان بيدخلوا فلوس للبلد، والمخبرين اللي ماسكين البلد عندنا وشغالين عليها، بياخدوا فلوس كل يوم سبت من التجار واللي شغالين، عشان يبلغوا بمواعيد الحملة وعقبال ما الحملة تجهز نفسها ويطلعوا من المركز، يكون كله شطب وخبّى شغله، يا إما في الجبل يا في الزرع يا تحت الأرض".
 
بعد وقت من الدردشة، جه الأخ الأكبر لمحمد، ولما عرف إننا بنعمل تحقيق عن الصناعة دي قالنا: "تحرم عليا الصنعة دي، كلها موت وخراب ديار"، المضحك إن اللي بيقول كده، اتضح إنه تاجر بُمب وصواريخ! لكن منين كاره الصنعة ومنين بتتاجر فيها؟
بيجاوب عبد العزيز -اسم مستعار للأخ-: "أنا بشتغل حاجات خفيفة فيها، الشغل المستورد وشغل صواريخ وشماريخ الأفراح، وباشتريها بالغالي وبابيعها بالغالي وباشتريها من ناس وبابيعها لناس تانية، فمش كسبان حاجة، وعندي الفرصة أشتغل شغل تاني بس أنا حلمي أسافر" وقبل ما أقاطعه عشان أسأل هيسافر فين أو إيه الشغل؟ بيكمل: "أسافر الصين أجيب شغل أحسن بدل الشغل المحلي اللي هنا، المستورد عليه طلب برضه"، كوميديا سودة، نقطة.

عبد العزيز بيقولنا إن البلد مش بتصنع كل حاجة اتعرفت في الصناعة دي، لكن فيه مستوردين بيستوردوا من الصين الحاجات اللي مش بيتم تصنيعها، زي العصايات اللي بتضرب في الجو بتعمل أشكال، والحاجات اللي بتعمل ألوان، "الصين بتنتج شغل أحسن من الشغل اللي بيتم تصنيعه في مصر عشان فيه مصانع كاملة قايمة على الصناعة دي، وموجودة في مكان آمن، وعلى ما أعتقد يعني إن الموضوع في الصين مش خطر زي ما هو خطر هنا، عشان أكيد الخكومة مساعداهم إنها ماتبقاش خطر زي هنا".

الألعاب النارية لا تستورد تحت بند لعب أطفال، ومحظور استيرادها إلا بموافقة أمنية من أجل الاحتفالات الرسمية، وتخضع قبل دخولها  البلاد للرقابة ولإشراف جهات الحماية المدنية، وكل الكميات الموجودة بالسوق المصري أما مهرب أو مصنوع بورش بير السلم"
- بركات صفا، نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية والخردوات بغرف القاهرة التجارية.

الأسباب المنطقية اللي تخلي قرية كاملة تقوم على صناعة البمب والصواريخ هي الفلوس والأرباح اللي بتيجي من وراها، وده بيأكده عبد العزيز: "الناس بتدمنها عشان فلوسها، يعني اللي بيشتغلوها بييجوا يشتغلوا الموسم اللي قبل رمضان والعيد ويوفروا بتاع مليون جنيه ويمكن أكتر، ويقعدوا طول السنة مابيعملوش حاجة وقاعدين سلاطين زمانهم في البيت"

أرباح تجارة الألعاب النارية تتعدى الـ1000%، ولكن للأسف أجهزة الكشف على الحاويات داخل الموانئ تقوم بالكشف على الحاويات 40 قدم، ولا تتمكن من الكشف على ما هو أكبر من ذلك، وأغلب الحاويات القادمة من الصين ذات ارتفاع مرتفع عن الحاويات 40 قدم، وبالتالي لا تتمكن من الكشف عن المتفجرات أو الألعب النارية داخل الشاحنات الكبيرة. بركات صفا، نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية والخردوات بغرف القاهرة التجارية

قرية النزلة بتعاني من عدم وصول الغاز الطبيعي للبيوت، رغم إن تم توصيله للمراكز المجاورة، بيبرر ده محمد: "احنا ممنوع يدخل لنا الغاز، وحطي تحت ممنوع 100 خط، وليه بقى؟ عشان ورش الصواريخ. لو ورشة ضربت، البلد كلها هتضرب، عشان كده الحكومة مش مدخلاه هنا، يعني بصراحة صحاب الورش مانعين عننا حاجات حلوة كتير"

حسب تقديرات خبراء الغرفة التجارية، فحجم الواردات من الألعاب النارية حوالي 700 مليون دولار سنويًا

بجانب الأذى والضرر اللي بيوصل لأهل البلد نتيجة الصناعة دي، إلا إن عندهم كارثة ماتقلش في خطورتها عن خطورة تصنيع البمب والصواريخ، وهي وجود مقلب زبالة اتشكل على هيئة جبل كبير، بيحكيلنا الأب: "الجبل ده ضار بالبلد والمراكز اللي حوالينا، يعتبر وباء عالمي، لإن لما بتقوم ريح، بتحط على المحافظة كلها، وجبنا الصحافة والتليفزيون، ولا من شاف ولا من دري، ورُحنا للمحافظ من سنتين، ووعدنا يحل المشكلة دي بس مش هيعمل حاجة لإنه مأجر المقلب بـ 11 ألف جنيه لناس بينقبوا عن المخلفات اللي ينفع تتعاد تدويرها".
 
بيضيف عبد العزيز على كلامه: "احنا لينا حتة أرض قريبة من الجبل وكنت عايز أعملها مشروع مزرعة فراخ، بس المهندس الزراعي بعد ما حلل الأرض قاللي ماينفعش نعمل المشروع ولا حتى نعمل أي مشروع غيره ولا حتى نزرع، بسبب سوء جودة التربة والجو، وأهي الأرض موجودة بايرة ومش عارفين نستفيد منها". 

محاولات من أهل البلد عشان يخلوا برامج وصحفيين ييجوا يشوفوا المآساة اللي بيعيشوها، وبيحصل فعلًا، وأكتر من برنامج معروف قدروا يوصلوا البلد، لكن كل اللي بياخدوه أهل القرية هي وعود بالإصلاح ومافيش فايدة، وصوتهم مش مسموع، في النهاية.. أهل القرية حلمهم إن الصناعة تختفي، وأهل الصنعة بيحلموا إنهم يقدروا يعملوا نفس المنتجات اللي بتعملها الصين.

 

 

 

Home
خروجات النهاردة
Home
Home