• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
نفاذ العلاج الكيماوي لمرضى السرطان في غزة
الموضوع اللي فات
الحكومة خصصت 250 مليون جنيه لمكافحة الإدمان

صناع الألوان: يوم في أقدم مصبغة للخيوط في القاهرة

عمرها 117 سنة
يوم في أقدم مصبغة للخيوط في القاهرة

الأبيض للهدوء والسلام، الأسود للرهبة والانطواء، والأزرق للاستقرار النفسي، والبرتقالي للحماس. في مجال علم النفس، كل لون وله دلالة وتأثير على الحالة النفسية وجانب علاجي ودراسات ليها أسس علمية وحسابات فيزيائية، بس هي مابتمشيش بالشكل العلمي ده في أقدم مصبغة للخيوط في القاهرة في منطقة الدرب الأحمر، واللي اتبنت سنة 1901، وقت حكم الخديوي عباس حلمي الثاني.

قابلنا عم سلامة محمود، صاحب المصبغة اللي موجود فيها من السبعينات، "مواليد سنة 37، من شبين القناطر، جيت القاهرة وأنا عندي 8 سنين، واشتغلت في كل المهن، صبي حداد ومزين وقهوجي، وبعدين اشتغلت صبَّاغ، تحت إيد المعلم بتاعي اللي علمني الشغلانة، وحببني فيها، قعدتي وسط الألوان خلتني أحبها، حتى بطاقتي مكتوب فيها "صبَّاغ فنّي".

عم سلامة بيحكيلنا إنه دخل الجيش وقعد فيه 9 سنين، بسبب حرب 67 وحرب 73، وخرج بعدها بسنتين أجّر المصبغة من وزارة الأوقاف، من يومها لحد النهاردة، "73 سنة في الشغلانة دي، وبحبها كإني كل يوم باشتغلها من أول وجديد، وبداوي تعبي بالشغل، ووقت ما أفرح اشتغل، وقتي وصحتي وتفكيري للشغل وده ماتغيرش ولا يوم".

الأقمشة اللي بتتم صباغتها، بتبقى حرير أو قطن أو صوف، ومرحلة صباغة الخيوط بتعدي على كذا مرحلة، وبتختلف بإختلاف نوع النسيج، بيشرحلنا "سلامة": " القطن (اللي بيستخدم في صناعة رباط الجزم) بييجي ناشف ويتداس في الحوض، في زيت الصابون الخام عشان يبقى لونه فاتح، وبعدين يتحط/ يتدرب على النبابيت (جمع نبوت)/ الُعصيان لحد ما ينزّل الزيت، وبعدها يدخل على صبغ الألوان في الحلّة أو الغلاية اللي فيها اللون المطلوب، بتيجي مرحلة إننا نعصره في العصَّارة، وبعدها بيطلع السطح عشان ينشف، ويتلم تاني يوم ويتكيّس".

المراحل دي مختلفة عن مراحل صبغ خيوط النيلون اللي بيستخدم في صناعة الشنط اليدوية لليد ومفارش الترابيزات والكروشيه. النيلون مابيحتاجش يمر بكل مراحل عملية صبغ القطن، فـ بيدخل على صبغ الألوان على طول مع إضافة 50 لتر ميَّة سواء باردة أو سُخنة، وبيمر بعدها بمرحلة العصر، وبيبقى جاهز لـ التكييس، تالت وآخر مرحلة. أما الحرير أو الشَعْر اللي بيستخدم في صناعة العبايات، فـ بيتصبغ مرتين ويتشطف عشان اللون يثبت فيه وبيتكيس وبس.

مصبغة عم سلامة بتصبغ كل الألوان، والطلب من التجار والزباين بيكون على اللون الأسود في الغالب، لكن بالرغم من ده فـ هو مش اللون المفضل لِيه، "بحب اللون الأبيض، عندي 150 جلابية بيضا، و8 جلاليب بني وكحلي ومابلبسهمش، وليَّا ترزي مخصوص بيفصل لي جلاليبي البيضا، ومافيش لون مابحبهوش بس الأبيض يكسب قلبي".

عملية صبغ الأقمشة والألياف عملية مرتبة وليها نظام بتمشي عليه، وكل ما المعايير بتتغير كل ما درجة اللون بتختلف. وبالنسبة لـ الألوان المستخدمة في الصباغة، فـ بتيجي من فرنسا، والصين، وهولندا، وإيطاليا. "ودلوقتي الصين بتعمل كل الألوان، بس التركواز من فرنسا، لا يُعلى عليه". "سلامة" بيحكيلنا إنه بيشتري بودة الألوان الطبيعية مش الصناعية، ويخلطها بالميَّة، وبيحسب كمية الصبغة على حسب كمية الخيوط المطلوب صبغها وتبدأ مرحلة الصبغ.

على ذكر الميَّة، فـ هي عامل مهم جدًا في عملية صبغ الأقمشة والألياف. "الألوان بعد ما بتيجي على هيئة بودرة، وتتخلط بالميَّة، درجة أو حرارة الميَّة بتفرق في نتيجة اللون المطلوب، فـ لو حطيتي اسود مع ميَّة ساقعة هيطلع رمادي! عشان كده لازم تحطي ميَّة سخنة عشان يطلع لون اسود، وكذلك الألوان الغامقة زي الكحلي والبني، لكن الألوان الفاتحة زي درجات البمبى يلزمها ميَّة باردة"


بيتم تسخين الميَّة عن طريق حرق الخشب كوقود، "مواسير الغاز موجودة ومتوصلة بس قافلينها، السولار غالي، البنزين غالي، الغاز غالي، فـ بمشيها خشبة بخشبة زي اللي بيشيلوا ميت!"

حرارة المكان العالية، واستخدام الخشب كوقود والتعامل مع ألوان كيميائية بتركيزات مختلفة، قصاد إن مافيش تأمين على صحة العمال ولا حماية شخصية ليهم ولا استخدامهم لأدوات بسيطة تحميهم. كل ده مابيأثرش على عم سلامة، ولا على اللي بيتشغلوا معاه، بيبررلنا ده: "الألوان عمرها ما تضرك، ولا حتى بيئة الشغل اللي حواليكي، والدليل أهو  74 سنة واقف ملط وحافي في الشغلانة، وعمرها ما ضرتني، وبالعكس اللي ينسيكي تعبك وتعب بالك، هو شغلك، والخطر الوحيد في الشغلانة دي هو إننا نبطل شغل".

كل مرة هتزور المصبغة هتلاقي صنايعية مختلفين واقفين شغالين، وناس تكون موجودة وناس تغيب، "أولادي وأحفادي شغالين معايا، ولادي عددهم 12 ( 8 بنات و4 صبيان)، وأحفادي اللي عدتهم لحد دلوقتي 40، بس تقريبًا هما أكتر من كده". "سلامة" بيشتغل معاه في الصنعة أولاده وأحفاده، حتى منهم اللي شغال أيام معينة، واللي منهم بييجي في أوقات معينة، وبالنسبة لـ "سلامة"، "أنا مابجبرش حد منهم ييجي يشتغل معايا، عشان أنا لسه بصحتي الحمدلله، ومفيش أشطر واحد سواء في ولادي أو أحفادي، اللي بيحب شغله وصنعته هو الأشطر".

بيحكيلنا "مصطفى" -واحد من أحفاد عم سلامة-: "أنا عندي 15 سنة، سِبت المدرسة وجيت اشتغلت مع جدي من 3 سنين، وبالفلوس اللي بيديهالي بدخل جمعية، عشان أكوّن نفسي من دلوقتي".

ومن أولاده لـ صحاب عمره اللي شغالين معاه بشكل دائم من 60 سنة للنهاردة، "دخلت أسأله عندك شغل؟ قاللي آه ادخل اشتغل، كان عندي 10 سنين وقتها، وماسألتش عن الأجرة عشان ده ماكنش هدفنا زمان، قلبنا كان على الشغل مش على المرتبات، ومشينا مع بعض على الخير، وشوفي دلوقتي عندي 60 سنة".

من بين كل التعاملات اليومية والمواقف الكتير اللي بتحصل مع "سلامة"، إلا إن في موقف معين بيعتبره أحلى موقف عدى عليه، "وقت لما كنت بشتغل لمصلحة السجون، كنا بنعملهم لون كحلي، وكنا بنخسر فيه وولادي مابقوش راضيين عن التعامل ده، وبيقولولي سيب الموضوع، وأنا أقولهم ما دام اتفقت خلاص ماقدرش أرجع، بس اتفاجئت بيهم بيطلبوا مني لون تاني وبكمية كبيرة، وده غطى على الخسارة بكتير".

على الرغم من اكتساح وجود المصانع والأساليب الجديدة في صباغة الخيوط والألياف ودخول الآلات الحديثة في الصبغ، إلا إن لسه فيه ناس بيفضلوا التعامل بالطريقة اليدوية، بيشرحلنا "مصطفى" – أكبر أولاد عم سلامة-: "أنا عندي 55 سنة، وشغال مع الحاج من صغري، ومن قعدتي في الصنعة دي بقولك إن مهما وصل تطور المكن في المصانع برضه مش هيعرف يطلعه زي ما بنطلعه هنا، ده حتى فيه خليط ألوان بنعمله الآلات ماتقدرش تعمله بنفس الدقة، واليدوي دايمًا يكسب".

من شركات صغيرة لشركات كبيرة، ومن تجار جملة وتجزئة لـ مصانع نسيج وملابس قطن، فئات مختلفة بيتعاملوا بشكل مستمر مع المصبغة، "الزباين بتوعنا موجودين في كل حتة، القاهرة والقليوبية، وباشتغل من أسوان لحد حدود إسكندرية، بتعامل معاهم من السبعينات ولحد النهاردة".

عم سلامة بيحلم بإنه يبدأ يومه كإنه أول يوم شغل لِيه في الصنعة، بنفس الطاقة والنشاط والمجهود، "بدعي ربنا يرزقني الصحة وأخلي المصبغة تكمل من بعدي وبعد بعدي كمان".

.Shoot by @MO4Network's #MO4Productions

.Photography by Ashraf Hamed

Home
خروجات النهاردة
Home
Home