• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
"البالطو" ابليكيشن جديد تطلب بيه دكتور يجيلك البيت
الموضوع اللي فات
محافظة القاهرة هتعمل عربيات متنقلة لإصدار التراخيص

"ادونا بيت وتعويض بس الأرض لسه واحشانا": حكايات من تهجير أهل النوبة

لفوا بينا قالوا لينا بينا على المدينة

"وجاءت ساعة الرحيل لحظة الوداع الأخيرة .. هنا على هذه الأرض، تكتب نهاية تاريخ بدأت فيه البشرية أولى خطواتها لتمتد مسيرة التحضر والتطور الإنساني عبر آلاف السنين".
رواية جبال الكحل لـ يحيى مختار
يوم 7 يوليو من كل سنة بيتم الإحتفال باليوم النوبي العالمي بفعاليات فنية وفرق موسيقية من النوبة وبلاد مختلفة، بس احنا قررنا نقضيه بشكل مختلف، وقررنا نزور واحدة من جمعيات النوبيين في عابدين. والحظ خلانا نحضر أمسية بتتعمل أول تلات من كل شهر في جمعية "أرمنا" واحدة من أقدم الجمعيات النوبية في القاهرة، وكل مناسبة بتبقى حاجة مختلفة عن اللي قبلها، المرة دي كانت مناقشة لرواية بعنوان "جبال الكحل" اللي بيسرد فيها الكاتب يحيى مختار السيرة الذاتية لواحد من المهجرين وبيوصف فيه حكايته مع تهجير أهل النوبة والأحداث بداية من تعلية خزان أسوان 1902 ثم مآساة هجرة النوبيين 1912 ثم هجرة السد العالي 1963.

التهجير بعيون الجِدة
تهجير 1963 بسبب بناء السد العالي، ماكنش أول واحد يتعرض له النوبيين، سبقه خزان أسوان لما اتعرض لمرحلتين من التعلية، أولها سنة 1912، والتعلية التانية في 1933. بتحكيلنا "جليلة" اللي جدتها تم تهجيرها من النوبة القديمة في تهجير السد العالي 1963: "كانت عايشة في النوبة القديمة في بيت مساحته ماتقلش عن 1000 متر، وكان بيت تنموي بمعنى إنه كان فيه أرض زراعية جنب البيت، والأرض كانت بتلبي كل احتياجاتها. وفي الوقت اللي كنت أنا وبابا عايشين في القاهرة بحكم ظروف الشغل والدراسة، جدتي قبل التهجير كانت بتيجي البيت عندنا وتجيب لنا الحنة والعطور والسعد كله معاها، وبعد ما تم تهجيرها لقرية "كتة" -قرية من القرى اللي تم تهجير أهل النوبة القديمة ليها-، وأخدت نفس اسم القرية القديمة، عاشت في بيت مساحته حوالي 20 متر، يا دوبك غرفة وحوش، وللأسف كانوا بيدوا للناس البيوت على حسب عدد الأفراد مش الأسرة، فـ لما عوضوها قالوا إنها ست وحيدة وماكنش فيه مراعاة انها بتستضيف أسرتها المغتربة وناس غيرهم".
وبتكمل: "بعد فترة من التهجير جدتي اتوفت بسبب الحالة النفسية اللي كانت بتعاني منها، الحالة اللي تملكتها مش بس بسبب التهجير على قد ما هو بسبب التمني إنها ترجع بيتها من جديد وتموت في بلدها، لإنها كانت عايشة على حلم العودة لبيتها وأرضها".

تم تهجير 1800 أسرة، ووصفتها "الأهرام" وقتها بإنها أكبر عملية تهجير في القرن العشرين.

لفوا بينا قالوا لينا بينا على المدينة

"مصطفى عبد القادر" بيحكيلنا قصته الشخصية مع التهجير، لإنه كان من ضمن المهجرين سنة 63، بيحكيلنا إن التهجير ماتمش برضا أهل البلد، وكانت بتحصل محاولات لإقناعهم بإن مشروع السد العالي مشروع قومي، هيساعد في التنمية، وهيحفظ مياه النيل اللي كان بيتم إهدارها. "النوبيين وقتها ضحوا بكل اللي بيملكوه لكن التضحية دي ماتقابلتش بحسن المعاملة، لكن إحنا شُفنا معاناة من أسوأ ما يكون وقت التهجير عشان ماكانش فيه اهتمام بالبشر ولا حياتهم الاجتماعية، الجدول الزمني اللي اتحط للتهجير، كان لصالح السد العالي ولم تتم مراعاة أي جانب إنساني فيه، لدرجة إن فيه قرى نوبية هُجّرت صباح يوم عيد الأضحى، والأضحيات كلها كانت لسه بتطبخ. وجت الصنادل (المراكب اللي هتنقلنا لكوم امبو) بتستعجل الناس ونزلوا بأكلهم وأثاث بيوتهم، وبيكمل: "ولو جينا نتكلم عن الصنادل وقتها، فـ جابولنا الصنادل اللي كانت بتسخدم في نقل المواشي من السودان لأسوان ودراو، وتم نقلنا مع المواشي، ماكنش فيه أي آدمية في التعامل.
"مصطفى" بيحكيلنا إنه بمجرد وصولهم كوم امبو، اكتشفوا إن البيوت لم يكتمل بناءها، وكانت لسه مخططة بالجير، وكان المشرف بينده بالرقم كده، رقم 24 بيتك هنا، يحط عفشه ويبدأ بناء بيته بنفسه.

عملية النقل من النوبة القديمة لـ الجديدة فى كوم أمبو أو إسنا تمت على مدار 244 يوم، وبدأت من يوم 18 أكتوبر 1963 ليوم 22 يونيو 1964، ووصل عدد اللي تم نقلهم 55 ألف و968 نسة (15.017 أسرة).

قصة تانية من ضمن القصص اللي قابلناها، بيقولنا "محمد": "ابن عمي أصيب بالزهايمر ونسي كل حاجة حتى أولاده، لكن قصته مع التهجير بيحكيها كإنها حصلت امبارح، بكل الأحداث والتفاصيل. وبيحكيلي إنه كان بيجتمع هو والشباب من قريتنا في بيت الضيافة، ووالدته تدعي بالنوبي على عبد الناصر، فـ يسألوهم موظفين اللجان هي بتقول إيه؟ فـ يقولوا بتدعي لعبد الناصر، فنضحك".

لو كنت مغترب وقت التهجير، إذًا مالكش بيت:
بيحكي "إدريس" -واحد من المغتربين وقت التهجير-: "كنت مغترب وعايش في السويس في الوقت اللي وصلني فيه إن لجنة الحصر فتحوا بيتي وقعدوا فيه، وطلعوني من البيت، بيتي كان بيطل على النيل عِدل، كنت قاعد على السرير أشوف المياه قصادي زي ما أنا شايفك كده. أنا كنت ابن البلد والحوجة خلتني أغترب، لكن بالنسبالهم واحد ساب بيته ومشي، وكل اللي عليه يعمله وقتها إنه يتهجر من سكات، وماكنش عليا غير إني رُحت سنة 64 أخدت عفشي وحاجاتي، وركبت الصندل مع الناس عشان أوصل العفش في أي بيت من بيوت قرايبي، وأرجع السويس تاني، ولما قامت الحرب في 67 لقيت ناس كتير من عندي بتهاجر على النوبة بس أنا فضلت قاعد وقلت مش هاطلع من السويس، أنا ماليش بيت، هرجع لمين وعلى فين؟ 
وبيكمل: "كتر خيرهم افتكروني في 74 لما بنوا بيوت للمغتربين. بعد 10 سنين من غير مِلك، بس أرجع وأقول إن فيه نوبيين مغتربيين فقدوا بيوتهم وماتمّش تعويضهم لحد النهاردة".

وقت عرض مسلسل"المغني" اللي بيحكي السيرة الذاتية لمحمد منير، عرض التهجير بصورة عكس الصورة الحقيقية اللي كان عليها، وده خلى فيه غضب مشحون ضده من قِبل النوبيين، لإنه بيّن إن النوبيين كانوا سعداء بالتهجير ومنهم اللي شال على كتفه صورة عبد الناصر وقت التهجير، بس الحقيقة اللي ماينفعش ننكرها إن "جزء منهم" كانوا سعداء فعلًا، لإنهم كانوا متخيلين إنهم رايحين الجنة زي ما وعدهم عبد الناصر وإن الهجرة ده شيء مؤقت وهيزول، لكن ماكانوش يعرفوا إن العكس هو اللي هيحصل.

جريدة الأهرام نشرت في عددها الصادر يوم 13 مارس 1963،أن التهجير ينحصر في المدة من الخامس من أكتوبر إلى السابع من مايو 1964 مع تصريحات مفادها أن تعويض أهالي النوبة عن غرق بلادهم تحت بحيرة السد العالي بلغ 5.6 مليون جنيه، هيتم صرفهم لعدد 16861 أسرة من الأهالي. ووضحت الجريدة بنود الصرف على الوجه التالي: 25 ألف مسكن بمبلغ 1.9 مليون جنيه، و15 ألف فدان من الأراضي الزراعية تمنها 2.2 مليون جنيه و1000 ساقية وبئر مياه شرب تمنهم 20 ألف جنيه، ومليون نخلة تمنها 20 مليون جنيه. وطبقًا لبنود التفدير فـ فيه إجحاف في التقدير، بحيث المسكن هيكون تمنه 75 جنيه، والفدان 110 جنيه، والساقية والبئر 20 جنيه، والنخلة تمنها 2 جنيه.

بشرح أوسع بيحكي "جبريل": "كان عندي 10 سنين وقت تهجير أهالي النوبة بسبب السد العالي، كنت في القاهرة بس وقت ما عرفنا إن فيه تهجير، رجعنا على قريتنا عشان نودع بلدنا ونتهجر مع أهلنا، ماقدرش أنسى تاريخ التهجير يوم 26 ديسمبر 1963. ووقت ما تم تهجيرنا لكوم امبو، عملولنا الوحدة المجمعة اللي بتجمع 5 قرى مع بعض، وكانت المدارس الإبتدائية لسه بتتبني، فـ اضطروا يودونا مدارس جاهزة، لكن العدد كان كبير رغم إن عددنا وقت التهجير كان قليل بسبب وجود أغلب الأسر في القاهرة ومدن تانية، وأسر قليلة في النوبة، مع الوقت عمّرنا "كوم امبو"، لإنهم هجرونا لمكان- كان وقتها- يتخاف يتمشي فيها، وعملنا حياة جديدة، بكل عاداتنا وتقاليدنا وأسلوب حياتنا. وبعد 10 سنين، سنة 1974، استلمنا بيوتنا ومن وقتها قاعدين هناك.. بس لسه بتوحشنا أرضنا أكيد"

"جبريل" بيحكيلنا إنه تم اعطائهم فكرة عظيمة عن النوبة الجديدة وانها هتكون "ياما هنا وهناك" على حسب وصفه، لكن لما راحوا مالقوش ولا مياه ولا كهربا، فـ بيوضحلنا: "بالنسبة للمياه كنا بنملى من الترع والحنفيات والسد جنبنا، والكهربا دخلت بعد سنين، يعني أخدنا وقت طويل عشان توصلنا المرافق الأساسية بس"، وبينهي كلامه بـ "لعلمك لو التهجير ده بيتم في الوقت الحالي ماكنش هيحصل بسبب الوعي اللي اتشكل عند النوببيين".

حسب سجلات المواليد والوفاة لأسوان سنة 1964 فـ مفيش غير "طفل واحد" مسجل ضمن المواليد، سكان النوبة بيرجعوا أسباب وفاة مواليد سنة كاملة للظروف المعيشية الصعبة اللي كانوا بيعانوا منها وقتها وقلة الإمكانيات الصحية وقت ولادة الأطفال.

تبعيات التهجير
بتشرحلنا "سمر"-نوبية عاصرت التهجير سنة 63-:"بعيدًا عن المشاعر المعنوية اللي مرينا بيها، لكن التهجير كان له تبعيات ونتائج سلبية زي إننا في النوبة القديمة كنا مجتمع مغلق مفيش تواصل مع الشمال، والتواصل كان عن طريق المراكب اللي شايلة البوسطة. فـ احنا خرجنا من النيل لمكان تاني عايشين بعادات وتقاليد مختلفة عننا. وشغلنا اللي كان معتمد على الزراعة والفلاحة، أجبرونا نشتغل شغلانات تانية. كمان حاجز اللغة اللي كان واقف بينا وبين المجتمعات الجديدة اللي اتهجرنا ليها، فـ تلاقي الجزء اللي جه على القاهرة بدأوا يتوزعوا ويتجمعوا مع بعض في أماكن بتضمهم زي عابدين وإمبابة والمعادي وفيصل وبقت مركز ليهم. وبتكمل: "أما على المستوى الشخصي أنا فقدت صلتي بهويتي، وزعلانة إني بقول ده، لكن للأسف أنا ماورثتش البيت اللي أورثه لأولادي من بعدي وده غصب عني مش بإيدي"

تعويضات النوبيين اللي لم يتم تعويضهم من قبل
في بداية 2018، مجلس الوزراء تسلم تقرير عملته اللجنة الوطنية لحصر مستحقي التعويضات عن بناء السد العالي وعن الأراضي الزراعية  أو الوحدات السكنية عن الفترات السابقة على إنشاء السد العالي، تمهيد لصرف التعويضات والمستحقات النقدية أو وحدات سكنية في أسوان أو خارجها. وده حصل بعد قرار السيسي اللي أصدر في 28 يناير 2017 بتكليف الحكومة بتعويض من لم يتم تعويضهم من أهالي النوبة. التقرير النهائي للجنة تضمن قبول 2366 تظلم من مواطنين ماسبقش ليهم التعويض عن بناء السد العالي أو تعليته أو خزان أسوان.
وفي فبراير 2018، اللواء مجدي حجازي، محافظ أسوان، قال في مداخلة تليفزيونية إن فيه 4758 حالة تعويض أراضي زراعية لأهالي النوبة القديمة، بواقع 4858 فدان، بالإضافة لـ 4851 حالة تمليك أراضي جنب خزان أسوان.

خرجنا من الجنة وبنحلم نرجع لها:
رغم استقرار كتير من النوبيين في بيوتهم الجديدة من سنة 74 وقبلها لحد النهاردة، وصرف التعويضات ليهم، لكن لسه فيه نوبيين ماتصرفتلهمش تعويضات أو وحدات سكنية بديلة، وبيحلموا بالرجوع لأرضهم، وحتى اللي اتصرفت لهم التعويضات أو الوحدات السكنية، لسه مؤمنين بالقضية النوبية، ولسه بيتكلموا عنها وبيحكوا عن حزنهم ومآساتهم لأي حد محتاج يعرف الحقيقة ويعرف عنهم، ومجرد ما هتقابل أي نوبي مش هتقابل منه أي بخل في الحكي.

Home
خروجات النهاردة
Home
Home