خايف أندم إنى أفوتك بين ضيوفك الكتار

في أكتوبر 2017، الحكومة المصرية أقرت قانون لمكافحة "الهجرة غير الشرعية" إلى أوروبا، بعد حوادث غرق مهاجرين، أبحرت قواربهم من السواحل المصرية لوجهات أوربية، القانون ده بيقر 21 عقوبة بين السجن والعقوبات اللي ممكن توصل لنص مليون جنيه، إلا إن محاولات الهجرة بالطريقة دي بتزيد بشكل كبير، خصوصًا بين الأطفال اللي أعمارهم تحت الـ 18 سنة.  "محمد" 26 سنة دبلوم صنايع وبيشتغل نقاش بيومية بتوصل لـ 100 أو 150 جنيه، شايف إن الهجرة هي الطريقة الوحيدة اللي يقدر بيها يحقق مستوى معيشة محترم ليه ولأولاده في المستقبل، وإن مافيش حل أو أمل تاني.

أخوات محمد التلاتة الأكبر منه، كلهم هاجروا بشكل غير شرعي لإيطاليا، أخوه الكبير سافر عن طريق إنه راح النمسا سنة 1992 ومنها لإيطاليا، الأخ التاني سافر للسعودية ومنها لتركيا وبعدين خد القطر الدولي لحد ما وصل إيطاليا، أما الأخ التالت فكان شبه أخوه اللي سافر عن طريق النمسا، فعمل نفس حلقة الدقن والشعر وسافر بورق أخوه ووصل.  وسط كل المحاولات الناجحة للسفر اللي حصلت في عيلته، محمد جري ورا حلم السفر بإصرار غريب وحاول يعمل هجرة غير شرعية 4 مرات، وحاليًا بيرتب للمحاولة الخامسة، وحكالنا تفاصيل المحاولات.

المحاولة الأولى:  ليبيا - 2013

 ليه تهجر بلدك وتسيبنا بلدك بيك أولى

بيحكي "محمد": "أول مرة جربت أسافر كانت في 2013، اللي شجعني إنه كان في ولد صغير من البلد عندنا – واحدة من قرى المنوفية- عنده 14 سنة وكان أبوه بيسفره، فقلت هستنى لما يوصل واسأله الوضع عنده عامل إزاي، وفعلا الولد سافر رغم إن متعهد السفريات قال لأبوه إنه مش ضامن يرجع ولا لأ. لما الولد وصل دخلوه إيطاليا لأنه تحت الـ 18 سنة، بعد كام يوم بعتله وسألته، قالي السفر صعب وكله مخاطر لكنه أول ما وصلوا حدود إيطاليا قالهم أنا لاجئ ودخلوه، لكن المصريين اللي فوق الـ 18 اترحلوا، وعموما الوحيدين اللي بيترحلوا هما المصريين لأنهم معروفين إنهم مش لاجئين. بس لما الولد بدأ ينزل صور من هناك و كده هنا قررت انى لازم آخد خطوة، وبدأت اتحرك فعلا".

"رحت لنفس المتعهد اللي الولد سافر عن طريقه وهو مكتب سفريات في المنوفية. الولد كان مسافر بـ 25 ألف جنيه دفع منهم  5 في مصر والباقي دفعهم قبل ما يدخل، بس أنا طلبوا مني 30 ألف جنيه وماكانش معايا، فاستلفتهم من أخويا اللي في إيطاليا. أخويا قالي قدامك 40 يوم لو ماطلعتش التأشيرة ترجع الفلوس، وبعد 27 يوم لقيت سكيرتيرة المكتب بتتصل بيا تقولي تعالى التأشيرة طلعت، ولما روحت اكتشفت إنها تأشيرة  ليبيا، سافرت ليبيا وعملت ورق الإقامة وأنا هناك، السفر اتأجل وقعدت هناك أكتر من شهر مستني في شقة فيها عمال بلدياتي، حبيت الشغل وقلت أنا بكسب كويس وأجلت السفر وماكملتش وقعدت في ليبيا 6 شهور، وبعدين رجعت مصر عشان فرح أختى".

في دراسة رسمية للجنة الوطنية التنسيقية لمكافة الهجرة غير الشرعية، قالت إن في مصر في محافظات هما المسؤولين عن تزايد النوع ده من الهجرة للشباب من سن 18 إلى 35 سنة وهي الشرقية والدقهلية والقليوبية والمنوفية والغربية والبحيرة وكفر الشيخ في الوجه البحري، والفيوم وأسيوط والأقصر في الوجه القبلي .

المحاولة الثانية:  إيطاليا- 2016

بدون ورق متطمن للطريق، اخترت البحر يكون طريقي وللسفر صديق

في 2016، روحت أنا وواحد صاحبي لمتعهد سفريات معاه رقم متعهد تاني موجود في رشيد، هو واحد في إسكندرية هيسلمنا لبتاع رشيد و بتاع رشيد هيسلمنا لمتعهد ليبيا.

سفرونا على إسكندرية رايح جاي 10 مرات في أسبوع! وفي الـ 10 مرات دول كان كل مرة مابيقابلنيش، هما بس كانوا بيطمنوا من ناحيتي ويشوفوا أنا تبع الحكومة وفي حد بيمشي ورانا ولا لأ، بس قابلنا الراجل بتاع إسكندرية في المرة العاشرة. المرة دي طلبوا مني 50 ألف، وصاحب المركب هياخد 1000 جنيه زيادة على كل واحد. أنا كنت عامل جمعية بعشرين ألف وفاصلت معاه شوية "عشان أنا زبون قديم" ورسيت على 25 ألف بس، وكان معايا 400 يورو واخدهم من أخويا الكبير وخط تليفون إيطالي، يوم ما كنت بتفق قالي "هاخد منك 25 ألف، منهم 15 دلوقتي، عديت تمام ماعديتش ماحدش يسأل على فلوسك."

قالنا "محمد" إن جاله تليفون بلغه إنهم لازم يطلعوا إسكندرية دلوقتى، وبالفعل ساب الشغل اللي كان في إيده وراح البيت ساب أي ورق أو إثباتات شخصية وخط التليفون المصري، وخد معاه بس خط تليفون إيطالي كان واخده من أخوه والفلوس وسافروا. وصلوا إسكندرية 10 باللليل.

الرحلة:

لما وصلوا إسكندرية اتصل بيهم المتعهد وبلغهم إن الوقت أتأخر والسفر أتأجل، خاف محمد يروح يبات عند المتعهد عشان الفلوس وبعدها راح بات في شقة عمال يعرفهم، لكنه لاحظ إن كان في حد مراقبهم هو وصاحبه طول الطريق. بيكمل:"تاني يوم وقت صلاة الجمعة اتصل المتعهد وقال بس هات صاحبك وانزلوا هتلاقوا عربية نص نقل متغطية، اخبط خبطتين على جنب العربية واركب، نزلت لقيت العربية وخبت عليها وطلعت لقيت تحط الغطاء في 15 واحد كلهم مسطحين عشان مايبانوش، وطلعت أنا وصاحبي. من وقت للتاني كنت ببص من تحت الغطاء آخد نفس واشوف احنا فين، وكنت واخد معايا موبايل و4 بطاريات مشحونين ببدل فيهم"

قالنا "محمد" إن  الساعه 11 بالليل العربية وقفت على جنب الطريق وكانوا مش عارفين هما فين وقالولهم  اللي معاه فلوس وعايز حاجة يقول، هو وصاحبه جابوا جبن وعصاير ومياه وعيش وسجاير، وخدوا منهم 1000 جنيه! "مشينا نص ساعة كمان في مكان كله جناين ونخيل بلح وسمعت صوت البحر قريب، فضلنا  قاعدين في مكاننا ساعتين وكل شوية تيجي عربية نص نقل تنزل ناس لحد ما وصلنا لـ 200 منهم 70 مصري، وجات تريلا ركبنا فيها وكنا فوق بعضو مش عارفين نتحرك، هنا عرفت إننا خلاص دخلنا في الجد، مشينا شوية وبعد كده لقينا نفسنا قدام البحر، شبكت أنا وصاحبي إيدينا في إيدين بعض وسبقنا الناس عشان نركب احنا الاول والطقم اللي كان معانا اتغير"

المركب:

بيوصف محمد المركب وبيقول إنها شبه المعدية، ماتشيلش أكتر من 50 فرد ومتهالكة بس هما ركبوا فيها 250، في الوقت ده كان نهار السبت طلع. سافروا بالمركب وفضلوا في البحر يومين ودخلوا  ليبيا، بيوصف ريحة البحر بإنها كانت كريهة جدا وإنهم لقوا مركب تانية مستنياهم عليها مجموعة تانية كانت طالعة من رشيد بقالها 5 أيام.

"نزلنا من المركب بتاعتنا للمركب التانية، كانت أكبر شوية بس مش فارقة كتير من حيث حالتها، طولها 8 متر في عرض 6 متر ودورين، كده بقينا كلنا 470 أو 500، منهم 13 أسرة مصرية وعائلات سورية كتيرة و كان في أطفال رضع، واحنا بننقل من المركب الأولى للتانية في واحد وقع وماكانش بيعرف يعوم، غرق وسيبناه ومشينا. -في قاعدة معروفة في عالم الهجرة غير الشرعية وهي ان اللي بيقع ماحدش هيلحقه-

 "الستات كانت قاعدة فى الدور للى فوق والرجالة تحت وكنا بنبدل مع بعض يوم ويوم. الوقت كنا بنقضيه بين إننا بنقرب من بعض عشان نتدفى وبين إننا نقعد نغنى و نقرأ قرآن عشان الوقت يعدي لحد ما نتعب وننام.الرحلة كانت رحلة موت، بس ظريفة."

الأكل:

كل واحد ربع رغيف وحتة جبنه ونص كوباية مياه، وزيهم للفطار وزيهم للعشاء.

بيحكي محمد، "قعدنا على المركب دي 3 أيام  سفر في المياه الليبية وبعد كده خرجنا في المياه الدولية، في اليوم الرابع اللي المفروض كنا هنتحرك فيه المركب عطلت، وقتها طلعت تليفوني ولقيته لاقط شبكة من اليونان، فعرفت إننا بقينا في المياه الدولية، الأكل خلص والمياه كان فاضل منها كميات بسيطة، في 3 أطفال أعمارهم من 14 لـ 17 كانوا مسافرين لوحدهم معانا، أغمى عليهم وحاولنا نفوقهم ماعرفناش".

في طريقة بيعملوها المتعهدين عشان يتأكدوا إن كان المغمى عليهم عايشين ولا لأ، بيولعوا في رجلهم، لو تألموا أو ظهرت عليهم أي علامة وعي بيخلوهم على المركب، لو مافيش علامات بيرموهم في البحر عشان يخفوا الحمل.

بيشرح محمد، "الولاد مافاقوش وفعلا رموهم. وفضلت المركب عطلانه بينا حوالي 5 أيام، والأكل خلص وبدأ مايبقاش معانا إلا إزازة ميه واحدة بيشربوا منها الأطفال وبيأكلوا الرضع سكر لأن الأمهات لبنهم نشف، أنا فاكر كان في واحد قرر إنه خلاص مش هيعيش وقام يستحمى من مياه البحر عشان يصلي، وكان في مجموعة معانا أفارقه هجموا عليه وقعدوا يلحسوا ويعضوا فيه، كانوا هياكلوه فعلا من كتر الجوع ونجيناه من إيديهم بالعافية".

الاستغاثة:

في اليوم الخامس اللاسلكي لقط إشارة وقدروا يبعتوا رسالة استغاثة عن طريق واحد على المركب كان بيتكلم إنجليزي كويس، واللي ردوا عليهم كانوا خفر السواحل من النرويج.

"تاني يوم نص الليل، في المرحلة دي كنا بنعرف الوقت من حركة القمر، جم ناس لابسين عسكري ومعاهم بنادق وقعدوا يلفوا حوالينا بلانشات، وكان معاهم لانش ضخم فاضي، في الأول عدونا وحدفولنا كلنا أطواق نجاه، طلعوا الأطفال الأول وبعد كده الستات والشباب آخر حاجة، اللانش الكبير كان عليه فريق طبي متكامل ومجموعة من موظفين حقوق الإنسان، كشفوا علينا وادونا شنط فيها هدوم كاملة وبطاطين، واحد مننا كان من العطش بيشرب مياه مالحة من البحر وكان بيصرخ من ألم بطنه، لما كشفوا عليه قالولنا إن بنكرياسه اتهتك من الالتهاب وجت طيارة خدته من على اللانش، وقعدنا عليه يوم ونص، بعد كده دخلنا إيطاليا من ميناء منطقة اسمها "لامباتوزا" وهناك استلمونا الصليب الأحمر الإيطالي.

الترحيل: 

لكني مش قلقان، تذكرتي رايح جاي

بيحكيلنا محمد عن اللى حصل لما تم تسليمهم للسلطات الإيطالية وبيقول إن اللي استقبلهم هو الصليب الأحمر الإيطالي وإنهم قعدوا في معسكر الصليب 4 أيام، تم فحصهم فيها بفحص طبي كامل والناس اللى اكتشفوا عندهم فيروس سي دخلوهم إيطاليا عشان يتعالجوا، وان أي حد تحت 19 سنة والسوريين كمان دخلوا، لكن  معظم الرجالة والمهاجرين من شمال إفريقيا فضلوا في المعسكر.

"ادونا ورق نملأ بياناتنا وطلبوا إثبات شخصية وماحدش فينا كان مسافر بورق، ملينا بياناتنا غلط كلها، بس عملولنا فيش عرفوا بيه كل بياناتنا وطلعتلهم ورقة كمان بقرايبي اللي في إيطاليا. المعاملة كانت كويسة جدًا وجابولنا بتوع حقوق الإنسان عشان يعرفوا إن كنا مضطهدين أو بنتعرض لظلم، وكان معانا 12 عليهم أحكام أمن دولة، هما دول اللي شدوا عليهم وعزلوهم لوحدهم، وكلهم كانوا مؤهلات عليا أو طلبة جامعات عايزين يخرجوا من البلد عشان عليهم أحكام، دول جالهم 152 عسكري مخصوص".

القاهرة:

بعد كده السلطات الإيطالية أصدرت وثاق سفر وودتهم المطار، ولما وصلوا لقوا طيارة مخصوص من مصر للطيران مستنياهم عليها ظباط من أمن الدولة منهم 12 مخصوص للشباب اللي عليهم أحكام، كل واحد متكلبش في إيد ظابط، ووصلوا القاهرة 5 الصبح، اتحقق معاهم في المطار وبعد كده تم الإفراج عنهم.

حسب تقرير لمكتب منظمة الأمم المتحدة للهجرة فى مصر ، في 4 آلاف مهاجر مصرى غير نظامى وصلوا إلى إيطاليا فى 2016 منهم 2467 طفل

المحاولة الثالثة: رشيد - 2016 

لسه ناوي ع الرحيل، تفتكر مالهوش بديل؟

بيقولنا محمد عن تفاصيل المحاولة التالتة، كانت في 2016، وكل حاجة تمت بنفس الطريقة زي المرتين الأولانيين ودفع نفس المبلغ اللي دفعه في المرة التانية، لكن على آخر وقت ماسافرتش من إسكندرية لرشيد عشان عرف  إن والدته تعبانة، "الحمد لله إني ماسافرتش عشان المركب اللى كنت المفروض هطلع عليها هي مركب رشيد اللى غرقت في سبتمبر 2016 ومن وقتها قعدت فترة طويلة ماحولتش أسافر تاني، خفت أموت غرقان خصوصا بعد اللي شفته بعينيا المرة الأولى وقعدت فترة طويلة ماحاولش"

المحاولة الرابعة: مطروح وما بعدها "تهلكة" - 2018

ما اختارتش إنى اروح، ما أنا جوعى كان كفران.. ملعون أبوك يا طموح

بعد أكتر من 4 ساعات كلام مع محمد، فكرت إن كلامنا خلص، بس اكتشفت إنه حاول الهجرة تاني قبل العيد الكبير اللي فات بـ 10 أيام بالضبط،، بيحكي التفاصيل: "حاولت تاني عن طريق نفس المتعهد من بلدنا، طلب 50 ألف، جهزت الفلوس وخليت معايا 1000 دينار ليبي، الاتفاق كان إنى أوصل موقف مطروح من إسكندرية واتصل بيه، وقتها هيتصل بيا واحد تانى اللى هيستملنى من مطروح، وصلت مطروح في الموقف الفجر واتصلت بيه قالى هجيلك وفضلت مستنيه للعشاء".

الخطة كانت إنه هيسافر من مطروح للسلوم ومن السلوم لليبيا وياخدوا منه في ليبيا الـ 1000 دينار واللي هيستلموه في ليبيا ياخدوا 400 دولار، حددوله كافيتريا يستنى عليها في السلوم، راح وفضل مستنى لحد ما النهار طلع، ولما اتصلوا بيه يبلغوه بالمكان اللي هيتحرك منه للبحر، قفل موبايله وقرر يرجع لأنه خاف يترمي تاني في البحر، خصوصا إنه كلم شيخ وقاله إن "دي تهلكة" وهو عارف إنه بيرمي نفسه فيها فحرام عليه.

في آخر كلامنا سألت "محمد" بتفكر في السفر تاني؟ رد وقال "أنا لو قاعد في الكوشة جنب عروستى وقالولى هتسافر دلوقتى هقوم أسيبها وامشي، أنا عايز أسافر عشان ولادي قدام مايسألونيش احنا ليه فقراء ويبقوا أقل من حد، ودلوقتى بحاول أجيب تأشيرة روسيا وأسافر منها لإيطاليا أو أشوف طرق تانية بعيد عن البحر، خصوصًا إنى ماعرفتش أجيب تصريح السفر لتركيا وكمان ممنوع من دخول الاتحاد الأوروبي 5 سنين عشان الترحيل".

في تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء في 2017، قال إن "لا يوجد حصر بأعداد المهاجرين غير الشرعيين، خاصة وإن العدد غير قليل وهم يسلكون طرقا ودروبا صحراوية تمكنهم من التسلل عبر الحدود ومنهم من فقد في الصحراء ووارد وجود متوفين منهم جوعا وعطشا وانتشار الجثث في أراض غير مأهولة وبرية أو في البحر، مع احتمالات تحلل جثث أو تشوهها".

" لاشيء يبدو في السماء أمامنا، غير الظلام وصورة الجلاد"

"البحر لم يرحم براءة عمرنا تتزاحم الأجساد في الأجساد، هذي بلاد لم تعد كبلادي"

تم تغيير اسم الشخص الحقيقي وعدم ذكر اسم قريته بناء على رغبته.