• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
جامعة المنصورة عاقبت 1200 طالب في كلية طب واديتهم صفر في امتحان
الموضوع اللي فات
فيديو: بياعة سعودية عاكست رجالة أجانب والبلدية قفلت محلها

«قضية رقم 23» في الحرب كلنا مجرمون وكلنا ضحايا

صار طعم "بيروت" طعم نار ودخان
فيلم قضية رقم 23

صوت "فيروز" المتردد في الأرجاء، ضحكات "صباح" وتمسّكها بالحياة، الأكل الطيب والدبكة ورائحة الأرز ولون الجليد في الشتاء. تلك هي لبنان التي نعرفها، البلد الضاحكة دائمًا، أكثر الشعوب العربية انفتاحًا وقربًا لأوروبا. أما إذا شاهدت فيلم "قضية رقم 23" أو The Insult  ستشاهد وجهًا آخرًا للبنان يتغافل عنه الناس. حرب دامت 15 عامًا زرعت في القلوب كراهية وغضبًا ووجعًا وطائفية تتحكم في العقول.

شاهدت الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي بعد تكريم مخرجه زياد دويري، بصفته أكثر موهبة عربية لعام 2017 من مجلة Variety الأمريكية، وبعد صراع، قررت أن أكتب بقلبي عن لبنان التي رأيتها في قضية رقم 23، لذا إن كنت تنتظر مقالًا نقديًا فقد ضللت طريقك.

الفيلم من كتابة مخرجه بالمشاركة مع زوجته جويل توما. أخبرنا "دويري"بعد العرض أنه بدأ في كتابة الفيلم بعدما سب عامل فلسطيني في لبنان، وتطور الشجار بينهما. يحكي الفيلم عن خلاف بدأ بسيط بين "طوني" اللبناني المسيحي الذي اختلف مع ياسر كرم -اللاجئ الفلسطيني-، كلمات تراشقها الطرفان، تطورت حتى انفعل اللبناني وقال: "ليت شارون محاكم عن بكرة أبيكم"، تلك الجملة التي تحمل غضبًا احتفظ به "طوني" داخل قلبه وانفجر في لحظة كانت السبب في وصول القضية رقم 23 إلى المحاكم، بين إصابات بالغة لطوني ومحاولات "ياسر" لتبرئة نفسه تدور أحداث المحكمة، التي تحولت من خلاف بين شخصين بسبب مياه تساقطت من الشرفة، إلى خلاف بين الفلسطينيين واللبنانيين ونار طائفية تأكل الأخضر واليابس في البلاد.

مشاهد قاعة المحكمة جسدت تاريخ الحرب الأهلية في لبنان، 15 عامًا من الوجع. الأخوة يتقاتلون والأصدقاء يتشاجرون، الطوائف فقط هي من تحكم. أمهات فقدن فلذات أكبادهن برصاص القوات اللبنانية المسيحية، وآباء تيتم أطفالهم بنيران منظمة التحرير الفلسطينية، صار طعم "بيروت" طعم نار ودخان كما تغنت "فيروز". تشوهت ملامح الوطن وتغيرت، وحتى بعد انتهاء الحرب ظلت الذكريات تعبث بالقلوب وتخلق بها جراحًا، جعلت فتيل الفتنة ينتظر من يشعله، مثلما حدث في قضية رقم 23.

مع من تتعاطف ومن المخطئ؟ هذا السؤال الذي يشغلك طوال الفيلم سيختفي بعد لحظات، ستبكي مع "طوني" لفقدان ولده الذي تمناه، وتتمنى لو تحتضن "ياسر" الذي تشرد بعدما احتل وطنه، إن كنت لبنانيًا سيلمس الفيلم جرحًا قديمًا ربما ظننته اندمل بعرض صور لمجزرة الدامور أحد أبشع المجازر التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كنت فلسطينيًا ستشعر بالضآلة وأنك تعامل دائمًا وكأنك من درجة ثانية، وتعاقب على أفعال غيرك، وأيًا ما كانت جنسيتك ستتعلم درسًا لن تنساه طوال حياتك "ما حدا  من حقه يحتكر المعاناة"، تلك الجملة التي اعتبرتها ملخص الفيلم. الكل متألم والكل يستحق الشفقة والمساعدة، والوطن منقسم بين أفراد شعبه الباكيين كل على ليلاه، وكما صرح زياد دويري لفرانس 24 "ما من فئة يمكنها أن تقول إنها وحدها جُرحت، فثمة فئة أخرى لها الحق أن تقول أيضًا إنها دفعت دمًا خلال الحرب".

صفق الحضور بعد انتهاء الفيلم وبكى "دويري" تأثرًا بعرض فيلمه في مصر، ثم سألنا هل فهمتم جميع الأحداث؟ ألم يكن عائقًا بالنسبة لكم كثرة أسماء السياسيين اللبنانيين وأحداث الحرب؟ ضحكت من قلبي وقتها. قضية رقم 23 هي قضية مصر مثلما هي قضية لبنان، وأكاد أجزم أنها قضية سوريا والعراق والبحرين وكل البلاد العربية التي تحمل طوائفًا مختلفة. في عام 1981 اشتعلت فتنة طائفية بين مسلمين ومسيحين مصر في الزاوية الحمراء راح ضحيتها ما يقرب من 80 قتيلا، صرح السادات وقتها بأن سبب اشتعال الفتنة "مية وسخة" سقطت من بلكونة مواطن، يبدو أن المياه ذاتها سافرت من مصر للبنان بعد سنوات ليجسدها المخرج اللبناني العظيم في فيلمه.

على الرغم من أن الفيلم يجبرك على الانخراط في قصته، لكن هذا لا ينفي إبداع مخرجه الذي جسد الواقع وتحرك بلقطاته بين مشاهد قاعة المحكمة وشوارع بيروت بسلاسة. موسيقى الفيلم تلخصت في صراع الأبطال الذين اختارهم "دويري" بعناية من بين أكثر من 500 ممثل حسب تصريحاته. عادل كرم الذي جسد دور "طوني" لبس الشخصية تمامًا، جعلنا نكرهه لعنصريته ونبكي لضعفه، والممثل الفلسطيني كامل الباشا استحق عن جدارة جائزة أفضل ممثل في مهرجان فينسيا، على الرغم من أن هذا هو دوره السينمائي الأول بعد سنوات من عمله المسرحي. "ديامان أبو عبّود" التي جسدت دور محامية اللاجئ الفلسطيني أوقعتني في غرام عينيها التي جسدت كل الصراعات النفسية داخلها كفتاة لبنانية، ومحاولتها للتغيير والتمرد على طائفية وطن بأكمله. اختيار الممثلين وإداراتهم من قبل المخرج كان السبب الأول لنجاح الفيلم اللبناني.

بفيلمه وأدواته السينمائية، تركنا "دويري" عرايا، نبحث بدواخلنا عن طائفية وعنصرية وحقد ووجع سنوات، نسقط في فخ التعاطف مع من يشبهوننا، ثم يكشف الفيلم قبحنا ويتركنا نتساءل هل حقًا تستحق الحياة كل هذا؟ طريق المصالحة يبدأ بالمصارحة، ربما هذا ما نحتاجه بعيدًا عن الصورة المصرية الشهيرة للشيخ الأزهري يحتضن الكاهن، وبعيدًا عن شعار الهلال والصليب، فثمة جراح داخلنا تحتاج أن تفتح لتعالج.

Home
خروجات النهاردة
Home
Home