آخرة الشقاوة.. يا موت.. يا عيش وحلاوة

أنا فاكر لما ألبوم مكي "أصله عربي" نزل سنة 2012 والناس كانت فرحانة ومبسوطة بيه، منهم اللي قال الله على المزيكا، ومنهم اللي قال هو ده الراب بقى، ومنهم اللي شاف إن مكي بيحاول يوصل كلام مظبوط وإن كلامه فيه فايدة ونُصح وقصص وعظية حياتية بالمزيكا. بس قليل اللي شاف إن مكي هو ممثل ناجح ورابر مش عايز أقول فاشل بسبب تُقل المعنى، فهقول ضعيف.

مشكلة مكي الأساسية إنه بيدور على مكسب شعبي أكتر ما يبدور على مكسب فني. هو عايز الناس تتعاطف مع الأغانى بتاعته، ده مافيش فيه مشكلة، بس إلى جانب ده، لازم على الأقل يدي للفن حقه، بإنه يعمل أغنية جميلة، من أول الموسيقى لحد الكلمات والأداء والفيديو. لكن هنا مكي مش عارف ازاي يعمل أغنية ويدي للفن حقه، أو هو بيعرف بس مش مهتم بده طول ما هو بياخد الجانب الأهم بالنسباله، المتمثل في التعاطف.

عمومًا في كل الحالات، ومهما كان الأمر، مكي مش بيعمل أغنية راب عشان جمهور الراب ، لكن هو بيعمل أغنية راب عشان الكل متصور إن الراب موسيقى ساهلة، وفي فكرة بتقول إن "الراب هو شعر على مزيكا"، طبعًا دي خرافة، عشان الراب له قواعد زي ما الطرب له قواعد، زي ما موسيقى الروك لها قواعد وشكل محدد، عشان تعرف تفرق بينها وبين باقي الأنواع، مش زي الفكرة اللي الناس وخداها.

ينفع الناس تصقف على كل عمل فني سواء أغنية أو فيلم لمجرد إنه بيحمل ما يسمى "رسالة"؟ السؤال ده الصراحة بيفكرني بمقولة عادل إمام في مدرسة المشاغبين لما قال:"إيه والدي يعني، والدي تسرقني يعني ولا إيه؟" ده بقى خط الدفاع عند أغلبية الناس، هو عشان الأغنية فيها رسالة يبقي خلاص كده بقت قوية؟

أغنية "آخرة الشقاوة" عيوبها تبدأ من المزيكا اللي اتعملت تحت فكرة الحشو الموسيقي: حط آلات موسيقية كتير وحط طبلة وحط كمنجات ومزمار، بس ادخلي بالعود الأول، وفي النص حطلي حاجة شعبي كده عشان الموضوع يتحبك صح". مش عارفين أو مش فاهمين إن الفكر ده بقى قديم مافيهوش تجديد، مجرد إيقاع طبلي (محاولة لخلط طبل غربي بصوت الطبلة الشرقي).

كانت النتيجة إن صوت الايقاع روتيني راكد مافيهوش حاجة تمسك في وداني، ده غير كمان إنه منع مكي من تغيير أسلوبه والأداء بتاعه اللي بقى ممل، حتى لما حاول يغير من الإيقاع في المقطع التاني من الأغنية كان في زحمة موسيقية وتاهت كل الأصوات في الزحمة، من أول صوت المزمار اللي مالوش مكان، ولكن ضرورة إقحامه كانت عشان يعمل حبكة مصرية.

الزحمة تكتر مع دخول الكمنجات في الدقيقة 02:21 وتعمل دوشة عشان كانت أعلى من أي حاجة، مش مجرد نغمة ترفع أداء مكي. ده غير إن استخدام كورال نسائي في المقطع الأول ماكانش له وظيفة وكان من المفترض إنه يعزز المشاعر عند المستمع، على أساس السياق الدرامي بتاع الأغنية اللي باظ بسبب دخول الليثي، اللي غيّر مود الأغنية صوتياً وبصرياً. ومع التوهان الموسيقي اللي حصل في الأغنية، المستمع تاه وقرر يركز في كلام مكي والمضمون وخلاص بقى.

كل نوع موسيقي له ناس تفهم فيه، فماينفعش تروح تجيب ناس بتعمل بوب أو متمرسة في الموسيقى الشرقية وتقولهم اعملوا مزيكا أغني عليها راب! عشان مش دي مزيكته ولا هو عارف بتتعمل ازاي، فتكون النتيجة خلطة موسيقية رديئة الصوت ودي أكبر مشكلة في مصر، إن مافيش اعتراف بالأنواع الموسيقية، وفكرة إني أعمل مزيكا وأغني عليها هي أكتر حاجة شائعة في صناعة الأغاني في مصر.

كان المفروض إنه يكلم بروديوسر راب (منتج موسيقي صاحب فكر موسيقي جديد) ويقوله أنا عايز أدخّل آلات موسيقية شرقية فيها، أو يشوف أمثلة لنوعية الأغاني دي بتتعمل ازاي وده مش عيب، لكن واضح إن مكي مايعرفش إن في بروديوسرز في الراب المصري أحسن من موسيقيين كتير معروفين في مصر.

ازاى تعمل أغنية تبيع و تلاقي زبونها

صحيح البحر واحد.. بس السمك أنواع

مريت على الجبان و البوق و العترة الشجاع

فيه اللي كان بيعمل بيا نمرة و يرقص في الأفراح

و فيه اللي قدروني صح و شافوا فيا أقوى سلاح

ثاني أكبر مشكل عند مكي هي الطريقة اللي بيكتب بيها، هو محكوم بأسلوبه في الإلقاء فيكون مضطر إن الجملة لا تقل عن 6 كلمات، بس عادي إن الجملة تكون قصيرة عشان تكون سهلة الإلقاء، بس الأهم في بناء الجُملة هو الوزن المستخدم (القوافي أو السجع)، الحاجات الحلوة اللي بتمسك في ودان الناس، يعني لازم يكون اختيار مكي لكلماته بحساب، زي ما اختياره في أدواره في التمثيل بحساب برضه. لكن من الواضح إن مكي عنده مشكلة في المعجم اللغوي (العامي يعني)، بمعنى إنه عنده شوية كلمات وقوافي، لما بتخلص ماعندوش بديل ليها، ممكن يكون بسبب إنه مش مواظب على كتابة الأغاني أصلاً، على عكس الناس اللي بتكتب أغاني كتير بيكون عندها كم كبير من المفردات، بس برضه ممكن تكتب أغنية وحشة.

كام واحد من رجالته عاملين معاه الجلاشة

باعوا سره للحكومة فاتعمل عليه كماشة

اختاروا يوم كان كانز فيه في البيت تقريبًا تمن طن

هيروين و كوكايين شكل الكمية حاجة تجن

عجز مكي في تغير وتطوير نفسه من ناحية الأسلوب والإلقاء، ده اللي بيخليه يعمل في أسلوب بدائي، هو عايز يعمله في 2018!

ده اقتباس و لا إيه و لا اسم أصحاب الفكرة مش مهم ؟

مكي واخد أو مقتبس الفكرة من الرابر المغربي NESSYOU اللي لسه منزل التراك بفنس الفكرة. هنقول توارد خواطر.

طب لو قولنا إن الأول توارد خواطر، طب يبقى الأغنية اللي اسمها I Gave You Power للرابر الأمريكي "ناز"، اللي نزلت سنة 1996، خواطر بأثر رجعي مثلاً؟! خصوصًا لما يبان إن الكلمات مأخوذة بالنص، مع اختلاف الثقافة إن في مصر بنستخدم سلاح أبيض بس في أمريكا مسدسات

من كلمات الرابر ناز الأمريكي

Heard mad niggaz screamin, niggaz runnin, cops is comin
Now I'm happy, until I felt somebody else grab me

كلمات مكي

و فجأة وسط زحمة الاوضة اللي كانت شديدة

في ايد جت كمرتني شكلي داخل قصة جديدة

كلمات الرابر ناز الامريكي

A broken safety, niggaz place me in shelves
under beds, so I beg for my next owner to be a thoroughbred

كلمات مكي

فحطني في صندوق جزم قديم رماه فوق الدولاب

أكتر من 3 سنين مرمي رمية كلاب

يعني فكرة الجُملة موجودة مع تغير شكلها ومعالهما عشان تمشي في مصر وتمشي مع الناس. بس برضه الجمهور هيدافع عن مكي، عشان شايفين إنه بيحمل رسالة ومش مهم الشكل الفني اللي بيقدمه، المهم إنه خايف عليهم من قوى الشر.