• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
السعودية: مساعدة الحجاج في أداء المناسك هتكون إلكترونية سنة 2030
الموضوع اللي فات
مصر الأولى عربيًا في الوفاة بسبب تعاطي المخدرات

الجبل الأبيض اللي مش جنة.. يوم مع عمال محاجر المنيا

إني رأيت اليوم الصورة من بره

ناس كتير صورت الجنة في وأفلام وروايات، ماحدش عرف شكلها ولا حد هيعرف، بيقولوا الجنة هي المكان اللي هتنتهي فيه كل مشاكلك وهتبقى مستنياك كل أحلامك. طريق الوصول مش بعيد عن المدينة الصعيدية، بس عند نقطة معينة كل مظهر للمدنية بيختفي ومابيفضلش غير طريق فاضي، فاضي من الناس والخدمات والهوا ، فاضي من كل حاجة. الأرض تحتك بيتحول لونها للأبيض التلجي والطريق بيضيق، بيضيق لحد ما تلاقي نفسك فوق جبل وماشي على صراط، عجلة يمين هتقع، عجلة شمال هتقع. خلص الطريق ووقفت العربية، أهلا بيك أنت وصلت، بس مش في الجنة، أنت في أبعد مكان عنها. ارمي همومك من فوق، عشان لما تنزل تحت، الجبل مستنيك بهمومه. أنت في محاجر المنيا.

الجير الحي بيدخل في صناعة الطوب الأبيض والأسمدة وعلف الحيوانات والسيراميك وحتى الألبان، بسبب نسبة الكالسيوم العالية اللي فيه. زيارة لمحجر من المحاجر اللي بتستخرج المادة المهمة دي، كانت ممكن تكون أشبه ببرنامج "يوم مع بابا" حيث سامح الصريطي بياخد ابنه يفرجه على مصانع المنتجات المختلفة، عشان يقدّر قيمة الحاجات اللي حواليه. للأسف ده مش يوم ترفيهي، وظروف العمل أقرب لبرنامج وثائقي بيتكلم عن الكوارث البشرية، وماحدش من اللي بيشتغلوا في المحاجر يعرف برنامج "يوم مع بابا".

"عندنا كذا حادثة حصلت، حد مات أو حد حصله بتر وناس عندها ربو بسبب بودرة الجير، مافيش مستشفى ولا حد بيسأل فينا، مافيش تأمين صحي ولا عربية إسعاف، بس عندنا صندوق اجتماعي، لو مت وأنت بتشتغل هيصرفولك 25 ألف جنيه ولو عجز كلي يصرفلك 10 آلاف جنيه".

بيبدأ عامل المحجر يومه الساعة 6 الصبح وبينتهي الساعة 1 الضهر وبينهم نص ساعة راحة. مهمة العمال الرئيسية هي تقطيع حجارة الجبل على شكل مكعبات طوب تستخدم في البنا، زيها زي الطوب الأحمر، أما البودرة الناتجة عن التقطيع فبتتعبى وتروح ببلاش، لأن مالهاش قيمة بالنسبة للمحاجر، بس لها قيمة لمصانع الصناعات المذكورة سابقًا. تقطيع الحجارة بيحتاج آلات حادة وضخمة وأسلاك كهربا تشغل الآلات دي بقوة أكتر من 400 فولت. بسبب البودرة وجو الجبل، بيتحول موقع العمل كله لمكان متغطي بشبورة بيضا، وفي نص الشبورة دي بيكون في عمال راكبين على آلات حادة بيقطعوا بيها، رغم انعدام الرؤية تقريبًا، الغلطة بموتة.

"الشغلة دي غير آدمية، بودرة وكاتمة، بنكون شغالين واحنا مش شايفين بعض، وآلة حادة شغالة بموتور لو لمست بني آدم يتعور أو يتوفى، غير الكهربا والسلوك العريانة اللي كل شوية تمسك في حد، بنحاول نحط على السلوك دي شيكرتون، بس مع الجو والبودرة بتتعرى تاني. نعمل إيه طيب؟ هو في شغلانة تانية وأنا ماشتغلتش؟".

المحجر بيضم عمال من كافة الأعمار السنية، بما فيها أطفال عندهم 14 و 15 سنة. الأطفال غالبًا بتكون مهمتهم تقليب الحجارة وجمعها أو بيعبوا البودرة في شكاير، بس لما تكبر شوية في الشغلانة وتترقى، بتتحول لعامل بيركب على ماكينة تقطيع. الأجور ممكن تبدأ من 20 و 30 جنيه في اليوم، وبتوصل ل100 و 120 حسب دورك واللي أنت بتعمله في المحجر. الفقر وصعوبة المعيشة بيخلوا ناس كتير من الأهالي يبعتوا أطفالهم للجبل، يشتغلوا ويجيبوا لقمتهم، مافيش تعليم، مافيش لعب، أهم مقتنياتك هي النضارة الشمس والشاشة القماش اللي بتلف بيها راسك ووشك، على أمل تحميك من التراب الأبيض.

  • اسمك إيه؟
  • مينا
  • عندك كام سنة يا مينا؟
  • 14 سنة
  • مانفسكش ترجع المدرسة لأصحابك؟
  • أنا عمري ما روحت مدرسة، أنا بشتغل هنا وبكسب 70 جنيه في اليوم، بروح بس الكنيسة كل أسبوع وبلعب كورة مع أصحابي.
  • طب بتعمل إيه هنا؟
  • بقلب الطوب وبغربل بودرة

"طلعنا صغيرين عمال في الجبل، الأب بيطلع ابنه من المدرسة ويجيبه يشتغل. أنا ولادي لسه صغيرين بس عاوزهم يكملوا تعليمهم، احنا أساسًا عاوزين نسيب الشغلانة، هنجيب ولادنا يدوقوا الهم ده؟ لو بكرة لاقيتلي شغلانة تانية قولي وإيدي على كتفك وهروح اشتغلها، المهم مرتب يعيش البيت. الأنبوبة دلوقتي بجيبها سوق سودة ب100 جنيه وهنا في المنيا شرق البحر مافيش مصدر رزق تاني ولا في زراعة"

المحاجر ملكية خاصة مش عامة، وفي منها عدد كبير في محافظة المنيا وحدودها. لو عاوز تبقى صاحب محجر بتروح للمحافظة وتدفع تراخيص وقيمة إيجارية مقابل إنك تمتلك كل حجارة الجبل ده وتستغلها وتبيعها. ورغم مخاطر وصعوبة الشغلانة، العمال بيعانوا عشان أكل عيشهم مايتقطعش بسبب ارتفاع القيمة الإيجارية، اللي بتجمعها الدولة من كل محجر. أنت في مكان أهله بيعانوا عشان يحافظوا على شغلانتهم، اللي كل يوم بيموتوا وتتبتر أطرافهم بسببها!

"نص المحاجر دي بطلت شغل، بسبب الضريبة والقيمة الإيجارية اللي بتضاعفها الحكومة كل شوية. كل محجر بيدفعله من 10 لـ 25 ألف جنيه في الشهر والترخيص بقى ب200 ألف جنيه في السنة، طب ما في محاجر كتير مابتكسبش ال200 ألف دي! قعدوا في بيوتهم وفضلت المحاجر الكبيرة. نفسنا بس يرحمونا شوية، لو وقفنا وقعدنا في بيوتنا المحافظة هتخسر زي ما احنا هنخسر".

في 2009 قرر المحافظ أحمد جمال الدين إنه يفرض ضريبة على كل عامل من عمال المحاجر، مقابل توفير رعاية صحية، وقتها احتج العمال واتحولت احتجاجتهم لمظاهرات واشتباكات مع الأمن، ونزل عدد كبير من قوات الأمن المركزي عشان تتصدى لاحتجاجات العمال، وبعد مفاوضات بين ممثل نقابة عمال المحاجر والمحافظ، تم الاتفاق على إنشاء صندوق خيري فيه 5 مليون جنيه، هو المسؤول عن صرف تعويضات للضحايا والمصابين، لكن الصرف بيتم لإصابات العمل بس، لكن في حالة الوفاة أو أي إصابة تمنعك عن العمل، بس ماحصلتش في مكان العمل، يبقى مالكش عندنا حاجة.

"لو في وفر في المحجر وبكسب منه كنت أغير الكابل بتاع الكهربا ده، الكابل ده ب10 آلاف جنيه واعمل تأمين للعامل أو حتى أحط عربية إسعاف جنب المحجر. لو بس المصاريف اللي علينا دي تقل كنا نعوض احنا العمال بدل الحكومة".

بيقضي العمال فترة راحة كل يوم من 9لـ9:30، بياخدوا فيها وجبة فطار ويرجعوا يكملوا شغلهم. الفطار بيكون عبارة عن طبيخ، حاجات زي اللوبيا والفاصوليا البيضا هتساعدهم ياخدوا طاقة يكملوا بيها يومهم. عامل ولا اتنين بيقعدوا في فترة الراحة على جنب، يشربوا سيجارة أو حتى شيشة، قبل ما يرجعوا بقلوب مطمئنة لشغلانتهم اللي ماعرفوش غيرها. لما سألتهم عن أحلى حاجة في شغلهم ردوا بإن أحسن حاجة لما تروح بيتك سليم لعيالك.

"كله على الله، أنا ورايا مصاريف وعندي بيتي ومراتي، لو خوفت هعمل إيه؟ ياريت الاقي شغلانة تانية أو سفر بره هسافر، أي بلد بس يكون فيها فلوس أعيش بيها، أنا حتى مش عارف أفكر نفسي اشتغل إيه، القاعدة في الجبل دفنتنا وخلت العقل وقف".

عمال المحاجر بيشتغلوا أسبوع ويبطلوا أسبوع، وده عشان يقدروا يسوقوا نفسهم ويبيعوا سلعتهم، خصوصًا بعد رفع سعر الطوب الأبيض، نتيجة زيادة سعر السولار والقيمة الإيجارية، السحب خف وكان لازم الإنتاج كمان يخف فالفلوس تخف معاه، بس يمكن كمان الإصابات والكوارث تخف. معظم العمال اللي قابلناهم مؤهلات عليا ومتعلمين بس مايعرفوش غير الجبل، ورغم كل اللي شافوه منه مش عاوزين يسيبوه، هما بس عاوزينه يحن عليهم شوية.

أثناء كتابة الموضوع اتعرض عمال المحاجر لحادثة سير على طريق الشرفا، نتج عنها وفاة وإصابة 40 واحد منهم، يجوز نكون شوفنا ناس منهم ويجوز يكونوا زمايل ليهم. الله يرحمهم.

.Shoot by @MO4Network's #MO4Productions
.Photography by Ashraf Hamed

Home
خروجات النهاردة
Home
Home