النوبة مجتمع كبير له تاريخ طويل وبيحكمه العادات والتقاليد اللي بتعتبر شيء مقدس بالنسبة لأهالي النوبة، وده استنتجه بشكل واضح وقت ما كنت باحضر ندوة في جمعية نوبية، ووقف راجل نوبي كبير بيطالب من النوبيين اللي حاضرين إنهم يحاولوا يحافظوا على لغة النوبة، ويعلموها لولادهم كشيء أساسي في تربيتهم وتثقيفهم، الراجل ده قال إنه بيحاول يطبع كتاب تعليمي للغة النوبية وهيحاول يتواصل مع وزارة التربية والتعليم إن يتم تدرسيه ولو كمادة ثانوية في المدارس، الشغف اللي كان بيتكلم بيه كان بيعبر عن مدى تمسكه بالأصول اللي اتربي عليه.

ووقت زيارتي لأسوان، المعدية اللي بتوصل الناس من كورنيش أسوان للقرى النوبية كانت بتفصل بين الرجالة والستات وبتفرض ده حتى على الأجانب، احترام العادات والتقاليد في النوبة شيء مقدس له احترامه وتقديره، ومن أهم الأصول الثابتة اللي مابتتغيرش بمرور الزمن في النوبة، هي جواز النوبيين من بعضهم.

كقاعدة ثابتة بشكل كبير، النوبيين بيفضّلوا الجواز من بعض، وبتبقى حالات نادرة لو "نوبي" قرر يتجوز من بنت مش من نفس المجتمع وكذلك "النوبية".

اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش

أهل النوبة بـ يبرروا إنغلاقهم على بعض وتفضيلهم النوبيين في الارتباط بإنهم "عارفين بعض"، يعني لو قررت/ي تتجوز/ي أو حتى ترتبط/ي، فـ أنت بتتجوز واحد/ة من قرايبك، أو قبيلتك أو معارفك. بتشرحلنا "هدى": "أغلب الناس بيقولوا إني عنصرية لإني فضَّلت الجواز من نوبي زيِّي-جواز صالونات-، أو لإني فضلته على المجتمع اللي عايشة فيه، بنت نوبية عاشت طول حياتها في القاهرة وبتروح النوبة زيارات، بس لما تيجي تتجوز تختار نوبي، بيقولوا عنصرية بس ماحدش بيقول (بتحافظ على الهوية)، المجتمع النوبي –بالنسبالي- أقل حاجة بتأثر فيه، لو نوبي أو نوبية اتجوزوا من برَّه المجتمع ده هيتفكك".

"مها" بتشوف صعوبة تأقلم غير النوبي في علاقته بالنوبي ممكن ترجع للعادات اللي مش أي حد يقدر يتقبلها، بتقولنا على سبيل المثال: "جواز النوبي من النوبية له أصول ماحدش هيراعيها لو من برَّه النوبة، زي إننا مابنكتبش قايمة ولا بيتدفع مهر، والشبكة بتبقى هدية العريس لعروسته.. والبنت مابتقدمش أي حاجة، إلا لو البيت اللي هيوفره عريسها بناه من الألف للياء، أو في حالة إنه جاب شقة تمليك في القاهرة، ساعتها بتساعده في تجهيز البيت أو الشقة، لكن لو هياخد شقة في بيت أبوه أو شقة إيجار في القاهرة، النوبية -في الغالب- مابتقدمش حاجة في المقابل"، وبتكمل: "في حالة الخلاف بين الزوجين، الكبار هما بس اللي بيتكلموا، مافيش محاكم ولا قضايا.. بس فيه مجالس عرفية ليها أهميتها وبيتسمع لها، والكبير فيها بيفصل في الخلاف وبيحله بشكل يرضي كل الأطراف". 

الأسر النوبية بيلاقوا صعوبة في تقبل جواز ابنهم أو بنتهم من غير نوبيين، وبيُقال عن النوبي اللي بيقرر الارتباط ببنت برَّه الحدود النوبية إنه بيرتبط بـ "جوربتية"، والنوبية اللي بتختار راجل مش نوبي "جوربتي".

يا نوبي يا بلاش

"مها" –نوبية مقيمة في القاهرة- بتقولنا: "أنا مش مرتبطة حاليًا بس لو فكرت في الارتباط بقاهري، مش هلاقي أهلي في صفي ومش هيتقبلوا ده بسهولة، وبالذات لإني بنت، بيستصعبوا تقبل الفكرة دي في البنات أكتر من الولاد، وعندهم مبرر في رفضهم وهو إنهم مش هيكونوا عارفين الولد ولا عارفين أهله وهيبقى فيه حاجز كبير جدًا.. هيفكروا بطريقة "هو ياخد بنتنا مننا ومش هتبقى مرتبطة بينا ولا بجذورنا".

بتقولنا "مها" إنها مقدرة اهتمام أسرتها بالحفاظ على التقاليد النوبية، لكن ده مش مبرر هيخليها تتجوز نوبي لو هي قضّت حياتها كلها في القاهرة أو مكان تاني بعيد عن النوبة، فـ مش هيكون منطقي إنها تاخد خطوة الارتباط فـ ترجع للنوبة عشان تعمل ده.

من الحالات النادرة اللي بتبقى مقبولة نسبيًا، حالة النوبي اللي بيختار "جوربتية" تكون شريكة حياته، الدافع في تقبل الموضوع هو إن ولاده هيبقوا نوبيين لكن ده مش هيحصل لو نوبية اتجوزت جوربتي.

"إسراء" نوبية مقيمة في اسكندرية لظروف الدراسة، وأهلها عايشين في النوبة، بتحكيلنا عن قصّة الحب اللي عاشتها لمدة 5 سنين أثناء دراستها، وانتهت باعتراض أو "تطفيش" –حسب ما بتقول- أهلها لحب حياتها، "أنا مديتش خوانة ولا فكرت في الرفض من ناحيتهم، في أول خطوة حقيقية حاول ياخدها ويتقدم، اتقاله إنه مش قد الارتباط ببنت نوبية ولا قد العادات ولا هيقدر يستحملها، وتم اتهامي بإني باطمس هويتي، ولقيت نفسي في محل اختيار، يا أكمل ومابقاش منهم، يا ابعد عنه واكسب أهلي ومبدأ أكبر وهو هويتي، وده كان اصعب اختيار اتحطيت فيه لإن مش منطقي الارتباط بشخص بحبه يخليني محطوطة في صورة البنت اللي باعت أهلها. في النهاية وبعد ضغط.. اضطريت أختار الاختيار التاني".

"من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"

بس زي ما فيه نماذج حاولوا تغيير وجهة نظر أهلهم، كان فيه نماذج ناجحة زي "محمد" اللي قرر يقنع أهله إن ممكن الدخيل على المجتمع أو الأسرة النوبية لِيه تأثير إيجابي وانه مش هيكون زي ما هما متخيلين: "أنا مش شايف إن لما حد غريب بيدخل على البيت النوبي بيأثر عليه بشكل سلبي، بالعكس ممكن يكون الشخص كويس ويأثر تأثير ايجابي، بل ممكن يكون تأثيره أفضل من تأثير نوبي جديد".

"محمد" حاليًا ماشي في مشروع خطوبة، وأهله موافقين وداعمينه.. أوقات بيتخوفوا من ردود أفعال العِيلة، لكن عارفين إن آرائهم مش هتأثر على علاقته.

ربحت أهلي ولم أخسر حب حياتي

عشان المعادلة تبقى موزونة وماحدش من الأطراف يطلع خسران أو زعلان، قرر "خيري" النوبي اللي قضّى معظم حياته في الكويت وبعدها قرر ييجي يعيش في اسكندرية وارتبط بحبيبته هناك، انه يعمل فرحين، فرح لأهله النوبيين بمزيكا وعادات نوبية 100%، وفرح تاني لصحابه وحبايبه في اسكندرية، "أنا فكرت في الفكرة دي عشان أرضي جميع الأطراف، وفي ليلة الفرح النوبي نسايبي كانوا مبسوطين جدًا، والليلة الاسكندراني فرَّحت أهلي النوبيين كمان.. ماحدش فكّر في حاجة تانية غير "اللحظة الحلوة".
اخوات "خيري" متجوزين قرايبهم، والموضوع بالنسبالهم مالوش علاقة بالنوبة قد ما لِيه علاقة بالأخلاق والدين.

بالرغم من إن لسه فيه صعوبة في تقبل البعض لجواز النوبيين من خارج مجتمع النوبة، إلا إن حاليًا الوضع بيتغير تدريجيًا وبقى فيه نسبة مش قليلة بتقدر تتقبل ده وتتعامل معاه بمرونة، وفيه علاقات بينجحوا في إثبات إن الهوية النوبية مش بس في الجواز من نفس المجتمع.