• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
مصر هتقلل نسبة الفقر للنصف في 2020 وهتقضي عليه نهائيا في 2030
الموضوع اللي فات
قسم شرطة متحرك وذاتي القيادة في دبي

في بيتنا مريض الزهايمر: حكايات أسر تعايشت مع النسيان

سنة 2050 هيبقى فيه 135 مليون مريض زهايمر في العالم

نهار داخلي- أوضة نوم

ستاير بيضاء على الشباك بيمرجحها هوا خفيف، حيطان لونها باهت، شخص في منتصف الستينيات بيقوم من نومه ويقعد على السرير وبيبدأ بعد ثواني قليلة يسأل نفسه مجموعة أسئلة؛ أنا فين؟ بعمل إيه هنا؟ مين اللي قدامي ده؟

الشخص ده مش بطل فيلم، ممكن يبقى مريض زهايمر، واللي واقف قدامه ممكن يبقى إبنه لو كان من المحظوظين اللي أسرتهم فضَّلِت تخليهم في البيت وتباشر بنفسها رعياتهم، أو يبقى مقيم في دار رعاية لأسباب مش مهمة كتير واللي قدامه ده الممرض.

في دار في العمرانية، عاش فترة من حياته جد "منة" المصاب بالزهايمر، بتفتكر تفاصيل قليلة عن الفترة دي زي إنها كانت في إبتدائي، وكانت والدتها وخالتها مقسِّمين أيام الاسبوع عليهم لزيارته، أوقات كانوا بيفضَّلوا ياخدوا ليه حاجة طبخوها بنفسهم عشان ياكل من إيدهم.

سألت "منة" عن رد فعله أثناء الزيارة لمَّا كان بيشوف واحدة من بناته كل يوم، بتقولنا إنه ماكنش بيفتكرهم أصلًا. "ماما الوحيدة من بناته اللي كان بيفتكرها طشاش، كان بيقولها إنتي شبه مراتي".

بتشاركنا أم "منة" الحوار، وبتقول إنها جرَّبِت تقعده معاها في البيت فترة لكن الموضوع مانجحش، "مرض الزهايمر أصعب من أي مرض تاني، انتي بتقعدي مع حد مش فاكرك، ممكن يضرب ويكسَّر حاجات، لو ست ممكن تقلع كل هدومها وتبقى عايزة تنزل في الشارع تجري".

بعد ما نقل والدها دار المسنين الحياة مابقتش أسهل كتير، زيارات دورية بيتخللها طبخ أكل مفضل ليه ومحاولة العناية بيه وهي هناك، وسط كل ده هو مش مدرك مين دول والله أعلم بيوصله منهم دعم نفسي ولا حتى الصلة دي اتقطعت بينهم. بتكمِّل أم "منة": "في الزيارات برضه ماكنش بيفتكرنا أوي، مرَّة ضربني عشان ماكنش عارف أنا مين".

في الأغلب مريض الزهايمر بيبقى فاكر مشاهد معنية من حياته، ذكريات البيت اللي اتربى فيه وصحابه القدامى، كل ما الذكرى بتكون بعيدة كل ما احتمالية تذكره ليها بتكبر، بتقول "منة" عن جدها "في الدار كان الحاجة الوحيدة اللي بيفتكرها هي جدتي، رغم إنهم انفصلوا من سنين وهي اتجوزت كذه حد. بس كان بيقعد يقول أنا وصفية مراتي سافرنا وروحنا البلاد الفُلانية، وخلفنا ولادنا في المكان الفُلاني".

أعراض الزهايمر بدأت قوية ولا بالتدريج وصل لإنه مايفتكرش بنته، بتقولنا "منة" إنها فجأة أدركت إن جدها في دار مسنين، "هو كان عايش مع اخته، مش فاكرة إيه اللي حصل بس اللي فاكراه إنه فجأة نقل في دار مسنين، كانت كويسة وكانوا بياخدوا بالهم منه جدًا، وكان مبسوط عشان الناس هناك قده وشبهه واهتماماتهم واحدة".

سألناها لو شايفة دار المسنين هي المكان المناسب لمرضى الزهايمر، بتقول إن فكرة التعايش مع أجيال مختلفة بتبقى صعبة وفي أوقات كتير بتتعب الطرفين. في الحالة دي الزيارات بتبقى أحسن حل. "أنا ماقدرش أعيش مع حد كبير في السنة، أكيد هبقى بحبه بس أسلوب حياتنا مختلف وغالبًا هيبقى متعود على الحياة العسكرية. مافيش موبايلات ولا نت ولا حاجة وده مش هيتماشى معايا. هستحمل ده لو هو ضيف يوم أو يومين، بس مش طول حياتنا، وده مش متعارض من حبي ليه".

7% من الشعب المصري فوق الستين، وحوالي نص مليون مريض بالزهايمر. وعلى المستوى العالمي متوقع إن سنة 2050 يبقى فيه 135 مليون مريض زهايمر في العالم، مع تضعاف نسبتهم في إفريقيا بنسبة 325%.

النص مليون دول أكيد قصصهم مش متشابهة، خصوصًا في ردود أفعال ذويهم، "رنا" اتربيت في بيت من غير أب، كان اللي بيلعب فيه الدور ده جدها لوالدتها.  بتحكي "في فترة المراهقة كان هو الوحيد اللي بيعرف يتعامل معايا.  بدأت أعراض الزهايمر تظهر عنده وأنا في أولى ثانوي، كان بينسى تفاصيل صغيرة في الأول وبعدين الموضوع بقى أكبر. بيبص للأشخاص فترة لحد ما يفتكر هما مين، مش قصدي الأسماء، لأ هما مين كأشخاص أصلًا. وقتها ماما قالتلي حضري نفسك عشان ممكن في وقت تحتاجي تفكريه بيكي، ماكنتش مصدقة، أنا كنت بقعد معاه طول اليوم وأكتر حد بيتكلم معاه، ازاي ينساني؟"

بعقل مراهقة لسه ماختبرتش الحياة وحيلها كفاية، بتقول "رنا" إنها طوَّرت أسلوبها الخاص في التعامل مع جدها، مريض الزهايمر الحديث، "ماكنش عندي معلومات كفاية عن المرض، فـ كنت فاكرة إنه بينسى بس الناس اللي مش بيشوفهم كل يوم، فـ كنت حريضة أشوفه كل يوم حبة حلوين، بعدين لما بقت معدلات النسيان أكتر قولت يبقى محتاج يشوفني ساعات أكتر عشان ماينسانيش زيهم، فـ بقيت وأنا في الشارع اتصل بيه على التليفون اتكلم معاه شوية غير وقتي اللي بقضيه معاه في البيت، كانت معدلات النسيان بتزيد ومحاولاتي عشان أقعد معاه أكبر مدة بتزيد لدرجة إني خليته يحضر معايا درس خصوصي في البيت عشان ماغيبش عنه الساعتين دول".

مرحلة الأمل بيتبعها مرحلة يأس واستسلام، دي قاعدة عامة، اليأس قابل "رنا" بعد شهور قليلة من الآمال الوردية في إن جدها ماينساهاش، بتكمِّل "عرفت إن كل ده مالهوش قيمة لمَّا صحاني يوم إجازتي يقولي انتي مين؟ صحي وأنا نايمة في السرير اللي جنبه مش عارفني. وقتها عرفت إنه كان هينساني في جميع الأحوال".

هل اللي عملته لجدي كان كفاية؟ لو الوضع معكوس كان هيتخلى عني بسهولة كده؟ بتسأل "رنا" نفسها طول الوقت في ندم، شئ أشبه بجلد الذات زي ما أهلها بيقولوا لها، "لحد دلوقتي بيلازمني شعور بالذنب إني ماقضتش وقت أكبر معاه وهو فاكرني ومبسوط بوجودي".

مريض الزهايمر بينسانا وده الأصعب، كل الناس بتفكر في صعوبة التعامل معاه لكن مين بيفكر في هو حاسس بإيه وهو ذكرياته في الحياة صفر؟ بتحاول تتكلم "رنا" وهي بتغالب خنقة صوتها "أصعب شعور حسيت بيه كان إن جدي مش مبسوط بوجودي، يعني الناس كلها بتتكلم عن شعورنا احنا اتجاهه وهو مش فاكرنا، وهو طبعًا شعور قاسي جدًا، بس احساسه هو وهو وسط ناس بيقولوا إنهم أهله وهو مش فاكرهم.. احساس بالغربة صعب أوي!"

الحكاية خلصت بوفاة جدها بعد سنة من تشخيصه بالزهايمر بسبب مشاكل في عضلة القلب، "وقتها كنت متضايقة إنه هيسيبني بس كان مطمني إنه دلوقتي مش هيحس بالغربة وسطنا، وده أكيد أهون له" بتختم "رنا" كلامها بإبتسامة.

مشاعر "رنا" و"منة" هي في الآخر مشاعر بنتين في مقتبل العمر لسه ماختبروش مشاعر زي الأمومة، مش هيفكروا كتير لو اللي بيعملوه مع أهلهم هيترد لهم من ولادهم. ازاي الموضوع اختلف لما أمك انت مباشرةً تبقى المصابة بالزهايمر؟

بتبدأ "عفاف" صاحبة الـ 49 سنة والأم لأربع أطفال، حكي تجربة أمها مع الزهايمر، "أمي كان عندها 65 لما بدأت ذاكرتها تضعف، في البداية افتكرنا ان ده بسبب الجلطة الدماغية اللي جت لها، بعدين بالتدريج بقت تنسى حاجات لسه حاصلة، أحط لها أكل تقوللي مين قالك تجيبيه مع إنها هي اللي طلبته، تنسى أحفادها، لحد ما في مرة افتكرت أخويا الكبير هو أبويا ونادت له باسمه"

التشخيص ماكنش سريع، فـ الدكاترة الأول بيستبعدوا المشاكل التانية من خلال الإستفسار عن تاريخ المريض بالتفصيل. بتقول "عفاف" إن الدكاترة كانوا بيطلبوا منهم يكتبوا كل اللي بيتقال من أمهم بالتفصيل، ازاي بتنسى وبتفتكر ايه وبعد مدة قد ايه. بعد المرحلة دي بيعملوا فحص بدني لمعرفة أعراض المشاكل التانية زي السكتة الدماغية، القلب و/ أو حالات خلل التمثيل الغذائي وفحص الوظائف العصبية.

بعد التشخيص وبعد ما عرفتوا ان عندها زهايمر، عملتي إيه انتي واخواتك الستة؟ بترد "عفاف": "أنا بحكم شغل جوزي عايشة في القاهرة، وليا حفيد بضطر أقعد بيه وأمه في الشغل وولاد في مدارس، فـ عشان كده كنت بسافر لها كل اسبوع مرة اطمن عليها، غير كده كانت قاعدة مع مرتات أخويا الاتنين في البيت، هما طيبين وبيحبوها، بس كانوا بيخدموها ويسيبوها في أوضتها ويطلعوا يقعدوا سوا ومع عيالهم برا، وهي لوحدها. ده كان بيأثر فيها وماكنتش بتعرف تتكلم عشان لما حد مننا بيروح لها هي أصلا بتكون نسيت"

النسيان مابيمشيش في خط مستقيم، وبيتخلله فترات من اليقظة بتحسس أهل المريض إن المعجزة حصلت والزهايمر انتهى. بتفتكر "عفاف" موقف من مواقف الأمل الكاذب في الشفاء وبتقول "مرة في بدايات التعب لما كانت بتقدر تمشي خرجت من البيت ووصلت لبيت خالي، لقيته بيتصل بيا بيقوللي أمك عندي وبتشتكي إنها قاعدة طول اليوم لوحدها. قولتله خليها تنام وكلم أخويا يجي واتفاهموا، نامت وصحيت ناسية هي فين وإيه اللي جابها هنا!"

افتكرت الطريق من بيتها لبيت أخوها، وافتكرت تاخد معاها فلوس، وعرفت تمشي لوحدها لحد ما وصلت له، لكن فجأة نامت وصحيت ناسية. "هو ده الزهايمر، مابتبقيش عارفة هتنسى إيه وامتى، لازم تبقي مستعدة 24 ساعة إنك تبدأي تشرحي كل حاجة من أول وجديد، مش بس تشرحي، لأ تطمنيها عشان تصدقك. من أول سبب وجودها في المكان لحد تفاصيل صغيرة زي التلفزيون محطوط على الكومدينو ليه؟"

سنة واحدة كانت كفيلة تسبب للأم اكتئاب، بقت ترفض الأكل سواء هي ناسية اللي حواليها ولا فكراهم، النهاية جت سريعة. "جتلها جلطة تانية على المخ برضه، بعدها مابقتش تقدر تنطق، بقت تفوق قليل، لحد ما ربنا افتكرها". بآسى ممزوج بندم بتكمِّل "بقول الحمدلله إنها ماتت في بيت حد مننا، حتى لو ماكنتش فاكرة بس أنا مبسوطة إنها ماتطلعتش من بيتها ولا اتشحططت". طيب ليه حاسة بالندم؟ بتجاوب "عفاف" بسرعة كأن الإجابة حاضرة في ذهنها طول الوقت "خايفة يجي لي زهايمر وأنسى حاجات كانت مضيقاني من ولادي، فـ يفضلوا يعملوها فيّا، زي ما حصل مع أمي".

Home
خروجات النهاردة
Home
Home