• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
محافظة كفر الشيخ عملت محطة لتوليد الكهرباء من مخلفات الصرف الصحي
الموضوع اللي فات
مصر في المركز الثامن عالميًا في عدد مرضى السكر

من جبال أسوان للغربية: حوار مع صناع الفخار في قرية الفرستق

"فن وابداع مش مهنة عادية"

في القاهرة بيتم عمل ورش عمل في أكتر من مكان لتعليم الفخار، كهواية أو مهارة، لكن في قرية من قرى مصر، صناعة الفخار هي باب رزقهم الوحيد، في قرية الفرستق التابعة لمركز بسيون في محافظة الغربية، هتلاقي ما لا يقل عن  150 مصنع بيتم فيهم صناعة الفخار، وده هتبدأ تلاحظه بمجرد دخولك القرية. أواني فخارية مختلفة على يمينك وشمالك وأنت ماشي في طريقك، كملنا طريقنا وقابلنا "حمدي أبو جبل" صاحب واحد من أهم المصانع الموجودة في القرية، وحكالنا حكاية القرية والفخار والصنايعية وحكايته هو كمان.

"طلعت من صغري لقيت أبويا وجدي بيعلموني شغل الفخار؛ لإن دي الشغلانة اللي كلنا بنطلع عليها هنا، وده بيحصل من أكتر من 100 سنة". "أبو جبل" بجانب شهادته الجامعية - بكالوريوس خدمة اجتماعية، بيشتغل في صناعة الفخار من وهو في اعدادي، وده بيبقى نفس حال أغلب أهالي القرية. "احنا يعتبر ماعندناش بطالة، أي حد في القرية حتى لو كان لسه بيدرس في أي مرحلة تعليمية بيبدأ يشتغل فيها بجانب دراسته، فتشوف إن عندنا مفيش كافيتريات. مولود في الفرستق يعني هتشتغل يا في صناعة الفخار يا في صناعة الدهانات". كلام "أبو جبل" بياخدنا للعمال في المصنع، واللي أعمارهم بتبدأ من سن الـ 15 للأربعين، وهنتكلم عنهم بالتفصيل.

صناعة الفخار تبان حرفة سهلة ومابتحتاجش مجهود مضاعف ودي حقيقة، بس في نفس الوقت هي عملية منظمة وماشية على خطوات معينة ثابتة وماينفعش تخرج عنها، لكن ينفع تطور فيها طول الوقت، "التطور اللي حققناه ابتدى من الصفر، من الطينة اللي كانت بتيجي سمرا أو طين الطمي، زي ما بنقول، لكن مع الوقت الطينة بقت بتيجي من جبال أسوان بعد ما تطحن في المطاحن، توصل المصنع عندنا على هيئة شكاير بودرة، ونبدأ عملية صنع الفخار"، بيكمل شرح: "البودرة تتحط في أحواض كبيرة ويتحط معاها نسبة كبيرة من الميَّة، وبعدها بتتساب عشان تتخمر يوم وتتحط بعدها في مَكَن يخرجها جاهزة على الشغل".

"حمدي" بيحكي عن مراحل الصنع قبل التطوراللي حققوه، فكان العامل بيدوس برجليه على الطينة عشان تبقى جاهزة للشغل، بس وجود المَكَن دلوقتي سهّل عليهم والبودرة بتتحول لـ طينة جاهزة على الشغل مباشرةً.

بعدها بتيجي المرحلة التانية لصنع الفخار:"بتتاخد الطينة على "الدولاب" -الترابيزة اللي بيبقى عليها المراحل الأساسية المهمة من الشغل- واللي بيبدأ الصوانعي يقوم بمهمته عليها في تشكيل الطينة وتحويلها لقطعة فنية. الشخص اللي بيساعد الصوانعي على الدولاب صوانعي زيَّه بيقوم بوزن أجزاء من الطينة على ميزان؛ عشان كل قطعة بتتحسب بتقدير معين، وكل منتج مصنوع من الفخار له مقاس ووزن محدد، ماينفعش يتغيَّر".
الصنايعي بعد ما بيوزن كل قطعة، بيديها للصوانعي اللي قاعد على الدولاب عشان يشكّلها باستخدام الميَّة، وفي الغالب بتكون أبرمة أو حلل، وأغلب مستلزمات المطاعم من الفُخار زي الطفايات والأنتيكات والفازات.

في وسط ما أنت بتشوف الصنايعية وهما مركزين أوي في شغلهم، بتشوف شاب بيحمّل الشغل اللي اتعمل على ألواح خشب وبيشيلهم على كتفه ويطلعهم في مكان بتشوفه الشمس، وبيرجع باللوح فاضي على الدولاب عشان يحمل شغل جديد وهكذا.. "الفخار بيقعد يوم أو اتنين عشان ينشف، عشان بيبقى فيه عرق الميَّة أو طري، بيروح بعدها على مرحلة الفرن وبيدخل على درجة حرارة 600 درجة مئوية، وبعدها يا اما بتتمسح الدهانات والبوية من عليه، أو بيتلون وبيرجع تاني على درجة حرارة 1200 درجة مئوية عشان المنتج يكون متين أكتر ويستحمل درجة حرارة الفرن اللي هيتحط فيها بعد كده، وبمجرد خروجه بيتشطب ويتغلف ويبقى جاهز لخروجه للسوق"، بيوضحلنا "أبو جبل".

200 قطعة فخار في 5 ساعات كحد أقصي، بيعملهم الصنايعي على الدولاب، خطة يومية ماشية على نهج معين، بتخليك تسأل هو اتعود وبقت نسخ بتتكرر بالنسباله، ولا بيحس بالإبداع في كل قطعة؟ بيجاوبنا "أبو جبل": "صناعة الفخار، إن ماكنش اللي فيها حاببها مش هيبدع فيها، هي كلها شغل يدوي واليدوي يعني إبداع، اللي بيشتغل على الدولاب ده بيشكل قطعة فنية من الطين، لكن في نفس الوقت سبق واشتريت عدِّة النحت، بس اكتشفت بعد كده إن مجالها غير مجالنا. بالنسبالي، أنا مابقعدش أعمل قطعة واحدة طول النهار وأروح بيها معرض، أنا باعمل شغل للاستهلاك، عشان كده لازم يبقى عندي سرعة في الشغل عشان أطلع إنتاج أكتر". 

على الرغم من إن باب رزق أهل القرية قايم بالكامل على صناعة الفخار، إلا إن "القلل" هي المنتج الوحيد من الفخار اللي مابيشتغلوش فيه،"أبو جبل" بيبرر ده بإن الطينة المستخدمة في صناعة القلل مختلفة، هي بتتعمل من الطينة السمرا (طينة الأرض المُجرفة) ودي مش موجودة في الفرستق، وده اللي بيخلي سعر المنتجات عندهم أعلى من سعر بيع القلل.

الصنايعية في المصنع عندهم اقتناع تام بإن الفخار رغم إنه منتج بدائي يدوي، إلا إنه أحسن من منتجات السلستين والتيفال اللي بتيجي من برَّه فيها مواد مسرطنة – على حد قولهم-، الفخار هو منتج مصري 100% ومكمل لحد النهاردة بسبب سعره المتوسط للمستهلك، وعشان كده وقت ما طلبنا نشرب، اتقالنا هنجيبلكم أحلى ميَّة هتشربوها في حياتكم. وشربنا ميَّة في برام "أبو علي" اللي للأسف مالوش نفس الشُهرة اللي واخدها برام "أم علي" في القاهرة.
ملحوظة أجمع عليها فريق التصوير: دي كانت أحسن ميَّة شربناها فعلًا.

الشغل اليدوي فيه منه البسيط والمُعقد، بس بالنسبة لعمال مصانع الفخار في الفرستق، بيحسوا إن تعبها بسيط وممتع في نفس الوقت، وإن الفخار فن أكتر ما منها مهنة عادية، بيحكيلنا محمد صبحي -رسَّام على الفُخار-: "أحلى حاجة في الشغلانة دي إنّي بحبها ومكمل فيها من 14 سنة لحد النهاردة برضه عشان بحبها، بالنسبالي مافيهاش حاجة صعبة، هي محتاجة طولة بال واحنا طولة البال فينا".
الفخار أنواع، فيه منه بيترسم، أو يتلون أو يتكتب عليه حسب رغبة الزبون اللي بيتعامل معاهم، أما بالنسبة لـ الرسم فـ فيه أشكال كتير: طوب، ورد، ستارة، جنزير، ريفي، سمك، والأشكال اللي بيجيبها الزبون. "الرسم مالوش حدود وطول ما دماغك شغالة مش هتوقفي عن انك تطلعي شغل حلو تبقي راضية عنه"، بيقولنا "صبحي".

وقت ما كنا بنتكلم مع "صبحي" كان قاعد جنب شابة صغيرة بيرسم على الفخار ويديها تكمل بعده، وشرحلنا أكتر عن دور كل واحد فيهم: "في شغلنا لازم ايد تسلم ايد ونكمل بعض، عشان كده أنا بابدأ الشغل وحد يشطب ورايا أو ابتدي رسمة وأحددها وهي تضيف الحاجات اللي فاضلة وتشطبها بعدي. يعني بنكمل بعض".

"صبحي" حكايته فيها جانب إنساني كان حابب يتكلم معانا عنه، بيحكيلنا: "عملت حادثة وأنا عندي 8 سنين، كنت خارج من المدرسة وخبطني جرار وشدني معاه 60 متر، نتج عن الحادثة دي بتر رجلي بالكامل، وقضيت سنة كاملة في المستشفى وطلعت بعدها اشتغلت في الفخار، بس الدعم كله جالي من جدي لما قاللي مفيش حاجة اسمها عجز، العجز بيبقى في العقل بس".

طب إيه التعويض اللي بتقدمه الدولة لـ "صبحي"؟
بيجاوبنا بسخرية: "لو على الدولة أنا محترمها ياما، ده أنا باخد 300 جنيه معاش من الدولة، ولما بروح أقبضهم، الموظفين بيحسسوني إنهم بيدوهُملي في إيدي"، وبيكمل: "لولا إني باشتغل في الفخار وبطلع أجري كل يوم على أكل عيشي كان زماني شحت من الناس بس الواحد مش حاطط عجزه قدام عينه وبيشتغل لحد ما ربنا يكرم ويعملولي حاجة. هما دايمًا بيقولولي أنت لسه صغير، مش عارف لما أبقى 28 سنة هافضل صغير لحد امتى؟"

صناعة الفخار مافيهاش مخاطر بنسبة كبيرة، لكن بتواجههم صعوبات بيواجهوها وماتقلش عن المخاطر –بالنسبالهم-: بيوضحلنا "أبو جبل": "أصعب حاجة واجهتنا هو موضوع الغاز، لإن في البداية إحنا كنا بنشتغل بنشارة خشب، فـ نلاقي وزارة البيئة بتعملنا محاضر قيمتها من 5 لـ 10 آلاف جنيه، فـ قلنا بلاش نشارة ونطور الصناعة، فـ بدأنا باستخدم الغاز لإنه صديق البيئة ومابيسببش دخان زي النشارة، فـ نلاقي وزارة التموين تقول شغالين بالغاز ليه؟ ويتعملنا محاضر برضه، فـ تبص تلاقي نفسك محشور بين مفارقة بين وزارتين، مفيش بينهم أي توافق".

المشكلة دي كانت سبب من ضمن الأسباب اللي شجعت أصحاب المصانع بالقرية إنهم يجتمعوا ويقرروا يكونوا جمعية "أصحاب الحرف الصناعية واليدوية بالفرستق"، من سنتين في محاولة منهم لحل مشاكلهم، وقدروا من خلالها إنهم ياخدوا حصة من الغاز، حوالي 4500 أنبوبة للمصانع، معتمدة من الدولة -وزارة التموين ووزارة البترول- وده ساعدهم في إنهم مايتعرضوش لاستغلال السوق السوداء أو تسجيل المحاضر ضدهم من قِبل مفتشين وزارة التموين أو البيئة.

بالرغم من إن مشاكل المصانع بتسعى الجمعية لحلها، إلا إن محمود أبو جبل –مشرف على العمال في المصنع- بيحكيلنا عن مخاوفه: "غلاء الأسعار أثر علينا بشكل واضح، لما قرية أغلب سكانها أكل عيشهم قائم على الصناعة دي ومايعرفوش يشتغلوا غيرها، وتلاقي بين يوم وليلة 50 مصنع قفلوا، ده صعب علينا، عن نفسي سرحت نص العمالة اللي معايا عشان أقدر أسد العجز، بس نفسي يرجع يبقى عندي عمالة تاني واشتغل زي الأول وأكتر".

من المخاوف والمشاكل اللي بيواجهها صُناع الفخار في "الفرستق" لـ مواقف إنسانية بسيطة تسعدك، بنقابل آية أحمد، اللي بتشتغل في المصنع  من 3 سنين كعاملة تغليف، بجانب إنها بتعرف تصنفر الفخار وتنضفه وتلونه، وأي مهمة بتتطلب منها بتقوم بيها على أكمل وجه، بتحكي "آية": "أصعب حاجة بالنسبالي في الشغل هي "الشيل"، إني أشيل اللوح اللي عليه الفخار، باتعب لما باشيل كتير وبيبقى صعب عليَّا أعمل ده لفترة، بس أنا زي باقي البنات هنا في القرية بنشتغل عشان بنساعد أبهاتنا في جهازنا، وعشان كده اليومية اللي باخدها بديها لبابا، بحاول أساعده، وده عمره ما بيضايقني بالعكس بيبسطني" بتكمل بابتسامة: "أنا لو طولت اديله عينيا مش هتأخر، ولعلمك، أغلب البنات بيقعدوا في البيت بعد الجواز، عشان ربنا بيسعدهم بقى، كل بنت وليها نصيب، مش مهم الوقت .. المهم انه مكتوب لها".

أهل قرية الفرستق، صُنَّاع الفخار، قدروا يكون ليهم مكان مهم في غرفة الصناعات اليدوية على مستوى الجمهورية، وحاليًا بيحاولوا مع وزارة البيئة وعدد من الوزارات إنهم يحولوا القرية لـ منطقة حرفية. بيقولوا إنهم مش هيكونوا طماعين ويطلبوا تحويلها لـ منطقة صناعية؛ لإن تحقيق الشروط في الحالة دي بيكون صعب ومُرهق، فـ على الأقل تكون منطقة حرفية، العين تكون عليها أكتر من كده، ويتم امدادهم بالإمكانيات اللي تسمحلهم يطوروا من الحرفة اللي بيتقنوها وبيحبوها. 

Shoot by @MO4Network's #MO4Productions

.Photography by Ashraf Hamed

Home
خروجات النهاردة
Home
Home