• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
وزير الآثار: اختفاء ٣٣ ألف قطعة آثرية من مخازن الوزارة
الموضوع اللي فات
نقابة الموسيقيين عملت بيان بعد التحقيق مع شيرين عبد الوهاب

أندريا رايدر.. الخواجة اللي عمل للمصريين مزيكتهم التصويرية

جريجي لكن مصراوي جنّي

الشاعر الفلسطيني "مريد البرغوثي" له مقولة بديعة عن ثقل الغربة، بيقول فيها "الغريب هو الذي يقول له اللطفاء من القوم: أنت هنا في وطنك الثاني وبين أهلك". هل ده كان شعور "آندريا رايدر"، الخواجة اليوناني، أول ما استقر في مصر في النص التاني من تلاتينات القرن اللي فات؟ وسط ترحيب المصريين بيه بسبب طبيعة الفترة الزمنية اللي كانت الجالية اليونانية فيها في إسكندرية بيوصل عدد أفرادها لـ 50 ألف.

بعد فترة من الاستقرار في إسكندرية، قضَّاها "رايدر" وسط لعب المزيكا في الملاهي الليلية وتدريسها في معهد “ماريو زينو” -المعهد اللي هيكون نقطة التلاقي الأولى بينه هو و"منير مراد"- اتجه "رايدر" للقاهرة اللي قابل فيها واحد من أهم أبطال السينما المصرية وقتها، وأهم أبطال حياة "رايدر" كمان، فريد شوقي.

الصدفة شعار حياته
زي ما كان معهد "مايرو زينو" في إسكندرية مكان جمع "رادير" الأستاذ بـ "موريس زكي مراد" طالب المزيكا، ومن هناك بدأت علاقة فنية طويلة وناجحة بينهم. السيدة زينب كانت المنطقة اللي جمعت "آندريا" بالشيخ "إبراهيم محمد أبو خليل" عن طريق صديقهم المشترك "فريد شوقي"، اللي عرَّفهم على بعض في رحلاته لمكان نشأته.

هناك انتيه "رايدر"، المزّيكاتي السمّيع، للشعر اللي بيلقيه الشيخ "إبراهيم". كلمة من هنا على سؤال من هنا، قرَّبوا من بعض، وبقى الشيخ "إبراهيم" بالنسبة لـ "رايدر" مرجع في الإسلام. وبعد فترة، يمكن عن اقتناع كامل ويمكن كخطوة لتقريب المسافات والتداخل أكتر مع المصريين، أشهر "رايدر" إسلامه.

على الرغم من صعوبة وجود مصادر كافية تأرَّخ شغل "آندريا" وإضافاته في عالم الموسيقى التصويرية، إلا إن سنة 1954 كانت بدايته الفعلية في السينما المصرية من خلال فيلمين، الأول هو 4 بنات وضابط لمخرجه "أنور وجدي"، والتاني نهارك سعيد للمخرج "فطين عبد الوهاب".

الفيلمين اشتغل فيهم "آندريا" بدعم من تلميذه السابق المُخلِص والمُحبّ لموسيقاه، "منير مراد". ففي 4 بنات وضابط رشَّح "منير" "آندريا" لجوز أخته ومخرج الفيلم "أنور وجدي"، اللي مش بس كان قامة فنيّة كبيرة وقتها، لكنه كمان كان منتج شاطر. وبكده نقدر نقول إن "أنور" آمن بموهبة "آندريا" وكان مُتيقن إن الموهبة دي هتترجم لفلوس في شباك تذاكر الفيلم. الفيلمين تعاون "رايدر" مع "مراد" في خلق مزيكتهم، وبعد نجاح 4 بنات وضابط، ماكنش غريب إن "مراد" يطلب من "آندريا" الاشتراك معاه في عمل الموسيقى التصويرية لنهارك سعيد، وبكده يبقى ده فيلمه التاني.

قبل ما يظهر "رايدر" كان في تيمة واحدة شبه ثابتة بتُستخدم في موسيقى الأفلام التصويرية، معروفة باسم (منتخبات بهنا)، عبارة عن مختارات عالمية، و (بهنا) هنا هو اسم العيلة السورية اللي استقرت في مصر مع بداية التلاتينيات واشتغلت في صناعة السينما.

لكن باستخدام آلات وقواعد تأليف غربية كلاسيكية ومزجها مع المقامات الشرقية، قدِّم "رايدر" موسيقى تصويرية لأكتر من 60 فيلم، هتسمع مزّيكتهم وتحس إن كل آلة من آلات الأوركستر، خاصةً آلات النفخ، متوظفة صح عشان تعبَّر عن اللي عينك شايفاه على الشاشة.

أسلوب الـ «كريشندو» اللي كان بيتبعه"آندريا"، بتتصاعد الموسيقى فيه بسرعة، مجموعة الآلات بتتحول لمجاميع بترد على بعض، كل ما مجموعة من الآلات ترفع صوتها، ترد عليها المجموعة التانية بصوت أعلى منها، وهكذا لحد ما تتداخل أصوات الآلات كلها في لحظة غالبًا بتبقى ذروة المشهد، بيوصل فيها الصوت العالي لأقصى مدى وتنتهي اللحظة المتوترة بدقة النهاية.

دعاء الكروان:

عشان تفهم أكتر عن لحظة الـ «كريشندو»، افتكر رحلة الموت في «دعاء الكروان»، تحديدًا المشهد اللي بينتهي بقتل "هنادي". الموسيقى بتعكس في بداية المشهد التوتر المٌخيم على كل اللي في الرحلة وخوف الأختين من خالهم، وتفضل تتصاعد الموسيقى لحد ما يغرس الخال سكينته في صدر المسكينة، وبعد موت "هنادي"، هتلاقي المزيكا بتعبَّر عن حالة التيه اللي هتصيب أختها لحد ما تفقد الوعي، هتشوف "فاتن حمامة" دايخة، المزيكا هتخلّي دماغك تلِف ورجلك مش شايلاك أنت كمان.

ممكن تسمعها من هنا

المراهقات:

على عكس المقطوعة اللي اتكلمنا عنها فوق، اللي بتعكس لحظات حزننا وتوهتنا، في فيلم "المراهقات" عبَّر "آندريا" بمزيكته عن حالة النشوة اللي بتوصلَّها بطلة الفيلم "ماجدة" بعد ما بتشوف طيارة حبيبها قرب نهاية الفيلم.

لحظة السعادة الخالصة والرضا اللي بتوصلها لمَّا تتأكد إنك بتحب وإحساس إنك ماسك الهوا بإيدك اللي بيغمُرك، عبَّر عنهم "رايدر" ببراعة في التصاعد التدريجي للموسيقى -والدراما على حد سواء- من حالة الحزن واليأس لقمة السعادة بظهور المحبوب، في «كريشندو» سينمائي حالِم وجميل.

سنة 1970 صحي "آندريا" والوسط الفني في يوم على خبر منحه الجنسية المصرية، بعدها على طول تم اعتماده كملحن درجة أولى في الإذاعة المصرية، عشان يبدأ سلسلة جديدة أكثر خفة من مزيكته.

غروب وشروق:

لحظة الـ «كريشندو» هتقابلها برضه في مشهد النهاية، لمَّا بتقف «مديحة» تبص من الشباك وتحرَّك الستارة ببطء، عينيها هتلخَّص مآساتها طول الفيلم، بعد شوية هتسحب إيدها وتنزِّل الستارة بسرعة على حياتها والفيلم والمقطوعة الموسيقية الحزينة -رغم وجود لحظات باعثة للأمل فيها- 

الباب المفتوح:

من وسط مقاطع كتير مميزة، خاصة مع الأداء الصوتي لصالح سليم، مشهد "ليلى" في استعراضها لمصابي المقاومة الشعبية هيفضل مميز عندك، خاصةً صولو الكمان اللي بيتصاعد معاك كأنه بيوصف لك الحيرة الدايرة في دماغ "ليلى". واللي بتنتهي بيها لحسم قررها بكسر قيودها والتمرد على سلطة الأب والخطيب والسفر مع حبيبها. واستكمالًا لحالة التمرد، آلات "رايدر" بتعلن انتصارهما من خلال تصاعد سلس ومقنع.

سنة 1971 في سفرية سريعة ليه لدولة تشيلي، وفي وسط تمشيته الليلية في شوارع سنتياجو، ماكانش متوقع "آندريا" إن نهاية مسيرته وحياته تبقى هنا. من غير أي مقدمات ظهر عدد من الرجال، أشبه بقطَّاع الطرق، مش معروف سبب اعتراضهم طريق "آندريا"، المعروف إنهم جرحوه بآلة حادة ألزمته السرير فترة، أصابته في الفترة دي نوبة اكتئاب شديدة، ساب عالمنا خلالها بانفجار في الشريان التاجي، عشان يختم محطات حياته، كعادته، في بلد غريب عنه. اتدفن بعد كده في مصر بناءً على طلب مراته وتدخُّل وزير الثقافة. عزاه حضره أم كلثوم وعبدالوهاب وغيرهم من سمِّيعة المزيكا اللي عرفوا وقدَّروا دوره والنقلة اللي عملها، واتعزف فيه آخر مزيكا اشتغل عليها (نشيد الوداع).

 هل حس "آندريا" إنه هينام للأبد وسط محبة خالصة في بلد عاش واتجوز ونجح فيها؟ ولا آخر مشهد لقطته عينه كان فيه وحيد في دولة شيلي؟

فى النهاية، وبطريقة درامية تشبه الأفلام اللي كان بيصنع مزّيكتها وتشبه حياته بصفة عامة، رحل "رايدر" -اللي كان في الأساس لاعب جودو قبل ما يستقر في مصر- بعد ما حط اسمه على أكتر من ستين فيلم، منهم: دعاء الكروان، بين الأطلال، نهر الحب، النظارة السوداء، الباب المفتوح، حسن ونعيمة، نهر الحب، اللص و الكلاب وغيرهم كتير.

Home
خروجات النهاردة
Home
Home