• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
السعودية في المركز الثالث عالميًا في شراء السلاح
الموضوع اللي فات
أعلى نسبة إشغالات للفنادق في مصر من سنة 2010

تجارب مع مضادات الاكتئاب: ضرورة للمريض النفسي ولا تجارة؟

مصر فيها 8 مليون مريض نفسي

لو سمعت عن مريض اكتئاب بياخد علاج دوائي، أكيد هييجي في بالك كلام زي "أدوية إدمان"، "هتتعود عليها وبعدها تتعب"، "دي أي كلام، لو عايزة تبقي كويس هتخف لوحدك" وغيره من الجمل السطحية اللي بتتعامل مع "الاكتئاب" على إنه شوية زعل مش محتاجين أكتر من خروجة رايقة وقراءة سورة يس قبل النوم. وسط كل ده، إيه شكل علاقتنا بمضادات الاكتئاب؟

بتقول "سلمى" إن أول مرة اتوصفلها مضاد اكتئاب كان عندها ٢٠ سنة، "بعد ما اتشخصت حالتي باكتئاب متوسط مع الإشارة لوجود ميول انتحارية، نزلت من عند الدكتور وأنا عارفة إني مش هاكمِّل معاه، مش لأي سبب غير إني مش عايزة أدوية أدمنها وتجنني". بعد بسنة اتكررت التجربة بنفس البداية والنهاية، وبعد سنتين بدأت تاخد المضادات من غير الخوف من إدمانهم أو وصمها بإنها "مجنونة". الأمانة العامة للصحة النفسية قالت في تقرير ليها إن في 2017 عدد المرضى النفسيين في مصر وصل 8 مليون، اللي اترددوا على مستشفيات الصحة النفسية منهم هو 516 ألف حالة، والأمراض بيجي في مقدمتها الاضطرابات الاكتئابية.

فعَّال ولا إحنا عايزين نصدق كده؟

"مصطفى" كان عنده ١٩ سنة لمَّا بدأ ياخد العلاج بسبب تشخصيه بالاكتئاب الحاد، واستمر عليه حوالي سنة ونص بشكل متقطع بين مصر وألمانيا، "أول مرَّة أخدته كنت في مصر، أقدر أقول إني ماحستش بتأثير، لا إيجابي ولا سلبي، قعدت ٣ شهور مش حاسس حاجة" طيب الطبيب المعالج كان فين من الكلام ده؟ بيقول "مصطفى" إنه سأله لكنه اكتفى بإنه يقوله "كل حاجة هتاخد وقت، اصبر".

لو حد خايف من العلاج الدوائي وخد رأيي، هاقوله مايخدهوش عشان مالهوش لازمة في نظري، يشوف "سيكاتريست" أفضل

لمَّا عرفت إن المرَّة التانية كانت في ألمانيا توقعت إن النتايج تبقى أحسن، بس غالبًا طلعت دي عقدة الخواجة اللي نفاها "مصطفى" وهو بيحكيلي عن تجربة الشهرين، "ماعرفش ده كان تأثير الدوا ولا تأثير الإرهاق من الإكتئاب ومحاولات الانتحار، بس قعدت فترة ماعنديش الأفكار الانتحارية" رغم كده مش قادر يوصف تجربته العلاجية بالناجحة، "لو حد خايف من العلاج الدوائي وخد رأيي، هاقوله مايخدهوش عشان مالهوش لازمة في نظري، يشوف سيكاتريست أفضل".

كوريا الشمالية هي صاحبة أقل نسبة بيع مضادات اكتئاب في إحصائية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، على الرغم من كده هي صاحبة أعلى نسبة في معدلات الانتحار في الدول المتقدمة، يعني الأعلى في وسط 34 دولة.



مش مش عايز، مش قادر

"عمر" مخاوفه من العلاج الدوائي كانت أقوى منه، رغم إنه عارف أهميته ومطمن في وصفة الدكتور وجرعته، "مش بحب أي حاجة بتاثر علي المخ وتخليني مش عارف أعيش من غيرها" وبيكمِّل بنبرة ساخرة "ماعدا الحب يعني". سألت "عمر" ليه تمنع نفسك من الدواء حتى قبل ما يعرف التشخيص مع إنه ممكن يبقى ضروري؟ قال إن الموضوع حتى لو "خرافات" في دماغه، فـ هو مش عارف يتخطاها، "فيه معتقد عندي، من وأنا صغير اتكون فيا، ان الأدوية اللي بتقلل شعورك بحاجة، هتتحول إدمان مع الوقت". بيقول إنه حاول يقتنع إن الدواء النفسي مش كده، "بس عقلي رافض أي حاجة غير تفسيري للوضع". لحسن حظ "عمر" مشكلته كانت بسيطة وماحتاجتش تدخل دوائي، اكتفى دكتوره بأربع جلسات علاج سلوكي معرفي، وروشتة تصرفات يعملها / مايعملهاش. 

مريض الاكتئاب لو ماتعالجش بدري ممكن مرضه يتحول لمرض ذهاني ويحتاج يدخل مصحة عشان يمشي على العلاج مظبوط

استشاري الطب النفسي "جمال فرويز" جاوب على سؤالي، وشرح لي أكتر عن امتى الدواء بيكون أوبشن وامتى ماينفعش "يهاود" المريض في رفضه للدواء، بيقول إن العلاج الدوائي بيكون خيار "سريع" للأمراض النفسية، لكن للأمراض الذهانية زي البرانويا والفصام بيكون لا مفر منه، ماينفعش مريضهم يتعالج من غيره، وكمِّل "سواء بإرادته أو بالإجبار في الأول من خلال وجوده في مصحة".

المجتمع العلمي مش Fair

الخوف من تعاطي الأدوية فيه جانب منطقي، وهو تأثيراتها السلبية اللي لحد دلوقتي ماحدش وصل لآخرها، أو عدم تأثيرها على الإطلاق وده برضه حاجة مش معروف مدى صحتها بالشكل الكافي. يعني أنت لمَّا بيتكتب لك دواء مضاد للاكتئاب بتكون قدام ثلاث احتمالات: يا يأثر فيك بالإيجاب، يا يأثر فيك بالسلب، يا مايأثرش خالص، بس مش هو ده برضه اللي ممكن يحصل مع أي دوا تاني؟!

المجتمع العلمي بشكل عام متحيز وميَّال لنشر الدراسات المؤيدة لتأثير الأدوية دي وإخفاء الدراسات التانية المعارضة، وده اللي اتأكد في 2008 لمَّا اضطرت مجموعة علماء برئاسة الباحث "جون إيوانيديس" إنهم يعتمدوا نتائج تجارب سابقة على مضادات الاكتئاب عشان ياخدوا موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على تداوله تجاريًّا.

لمَّا العلماء قعدوا "يدعبسوا" في أرشيف الدراسات اللي اتعملت على مضادات الاكتئاب، لقوا 74 دراسة اتعملت على 12,500 مريض من سنة 1987 لـ 2004، واتضح لهم أن نص الدراسات بس هي اللي أظهرت نتائج إيجابية بخصوص تأثير مضادات الاكتئاب، والنص التاني كله أظهر نتائج سلبية، ده عادي، اللي مش عادي إن من بين كل الدراسات المنشورة، مافيش غير ثلاث دراسات بس بتقول إن مضادات الاكتئاب ما هي إلا علاج وهمي، في حين إن الدراسات الإيجابية تقريبًا اتنشرت كلها! الباحث "جون إيوانيديس" جمع كل اللي وصله هو وفريقه في دراسة شاملة اتنشرت سنة 2008 في الدورية العلمية «PEHM»، وضح فيها إن الدراسات السابقة على مضادات الاكتئاب ليها أهمية إحصائية بس فشلت على جانب تاني وهو إننا مانعرفش "كفاية" عن أضرار مضادات الاكتئاب على المدى الطويل بسبب تحيز الدراسات المنشورة. الموضوع منطقي وله أسبابه لو فكَّرنا فيه كصناعة وبيزنس وصلت أرباحها لـ 14 مليار دولار ومن المتوقع إنها توصل في 2020 لـ 16 مليار دولار.

جربوها وندموا

المرضى نفسهم، هما خير شاهد على تأثير الأدوية دي، "هند" كانت بتشتكي من تعب في صدرها، راحت لدكتور صدرية قرر يرمي الكرة بره ملعبه، "قاللي إن تعبي عبارة عن ضغوطات نفسية وشد أعصاب، بس ماتقالليش ده بشكل علمي، كان بشكل شخصي وكلام عادي". وكتب لها أدوية اكتئاب، وقتها أغلب اللي عرفوا في محيطها كانوا رافضين، "انطلاقًا من مبدأ إني ماتعاملش مع تعبي كإنه مرض نفسي أو اكتئاب حقيقي، وإن مش كل الضغوطات تستاهل أدوية". بس هي حبت تجرَّب، يمكن ترتاح، استمرت عليه لمدة شهر ووقفته لمَّا حسيت إنها بتحفر في مياه، "أعراضه كانت سلبية لإنه ماغيرش حاجة". في النهاية وصفت تجربتها مع العلاج الدوائي للاكتئاب بـ "مالهاش أي قيمة عشان مافيش حاجة اتغيرت". دكتور "جمال" بيوصف قصة "هند" بـ "استسهال دكتور"، رغم إنه شايف إن تشخصيه صح، لكن بسبب إنه مش متخصص كفاية ماعرفش يظبط الجرعة المناسبة ولا يطمن "هند" ويقولها تتعامل مع الدواء ازاي، "والنتيجة إنها اتقفلت من الأدوية العلاجية، وفكرة إنها ترجع لها هتكون أصعب".

الأدوية مش خيار سهل، مابكتبهاش إلا لو المرض موقَّف حياة المريض، يعني الشغل وعلاقاته الشخصية ورغبته الجنسية

"مصطفى" بيقول إنه بطَّل الدواء في مصر لمَّا ماحسش بتأثير، وقتها ماحسش بأي أعراض انسحاب رغم إنه مارجعش للدكتور في قراره ووقَّفه من نفسه. وفي ألمانيا بطَّله لمَّا الدواء خلص، "كان في 50 حباية بس وكفَّوني شهر ونص"، وبرضه ماحسِّش بأي أعراض انسحاب.

بيقول الدكتور "جمال" إن تأثير الدواء بيختلف من تركيبة لتركيبة وعلى حسب الجرعة، بس لو هنتكلم بشكل عام فـ الأدوية في الغالب بتقلل الرغبة الجنسية وتفتح الشهية وعليه بتسبب زيادة في الوزن. "وهنا خبرة كل دكتور وعلاقة بمريضه اللي بتخليه يحدد هو أحسن له أنهي نوع من الأدوية ويقدر يستحمل أنهي تأثير جانبي".

الأدوية مش خيار سهل، "مابكتبهاش إلا لو المرض موقَّف حياة المريض، يعني الشغل وعلاقاته الشخصية ورغبته الجنسية"، لكنه مش أول حاجة بتيجي في بال الدكتور لمَّا يشوف حالة. "في مراحل بمر عليها الأول، زي جلسات العلاج السلوكي المعرفي، وجلسات العلاج الجماعي. في نفس الوقت لو المريض محتاج دواء لازم تدخل عشان الموضوع ممكن يتفاقم". هنا كان سؤالي: ازاي مريض اكتئاب الموضوع معاه هيتفاقم؟ بيرد دكتور "جمال" ويقول إن قلة التركيز، عدم الرغبة في الحياة، الضلالات وأخيرًا الانتحار، كلها علامات إن مريض الاكتئاب ماشي في الطريق الغلط وبيخرج من نطاق الاكتئاب لما هو أكبر وأكثر تعقيدًا.

منظمة الصحة العالمية اقترحت في تصريح ليها إن المتعافين من الاكتئاب يستمروا على الدواء لمدة 9-12 شهر عشان ماينتكسوش

"ما هو يا الدوا، يا أما يخليه عايش في اللي هو فيه"

ده اللي حصل مع "محب" لمَّا اتحول اكتئابه المتوسط لاكتئاب ذهاني. "في الأول ماكاننش أدوية الاكتئاب مؤثرة أوي، في الحقيقة أدوية الذهان هي اللي كان تأثيرها قوي". لكنه استمر عليها ما يقارب السنة، وبعد استشارة الدكتور قرر يوقَّفه. كان فيه أعراض انسحاب؟ بيقول مش أوي، كان سعيد إنه "هيرتاح" من ثقل أدوية الذهان وتعبها، لكن تدريجيًا تبطيل الدواء ماعملهوش مشكلة ولا حس باختلاف. دكتور "جمال" بيأكد على ضرورة توقيف الأدوية بالتدريج، عشان مايحصلش انتكاسة نتيجة السحب المفاجيء للدواء من الجسم.

منظمة الصحة العالمية اقترحت في تصريح ليها إن المتعافين من الاكتئاب يستمروا على الدواء لمدة 9-12 شهر عشان ماينتكسوش. بيشرح أكتر دكتور "جمال" عن فترات تعاطي الأدوية، مع الأخذ في الاعتبار إن فيه فروق فردية والموضوع ممكن يختلف من شخص للتاني. مريض النوبة الأولى للاكتئاب بياخد الدواء من 3 لـ 6 شهور، النوبة التانية بتطلب تعاطي الدواء من سنتين لتلات سنين، لو تالت نوبة، عالميًا، بيفضَّلوا المريض يمشي على العلاج العمر كله مع فترات توقف قليلة.

نسبة تعاطي مضادات الاكتئاب في أي دولة مش مقياس على مقدار اكتئاب الناس، لكن هي مؤشر لحاجات تانية زي؛ نسبة وعي الناس، ثراءهم، قدرتهم على التعافي وغياب الحلول البديلة زي الـ Psychotherapy اللي كتير، زي "مصطفى" و"عمر" بدأوا ياخدوه كحل بديل للدواء وفعَّال زيه. على الناحية التانية "محب" شايف إن اللي بيضيع وقته من غير دواء "بيقف مكانه" وبيقول " ماهو يالدوا، يا أما يخليه عايش في اللي هو فيه، ومش هيكمل كتير عشان غالبًا هينتحر".

الوصم بسبب المرض النفسي من أكبر المشاكل اللي بتعجَّز المريض وتوقفه مكانه، حظ "مصطفى" كان أحسن وقدره وقعه في أصدقاء كانوا بيتحملوا نفقة العلاج لمّا كان في فترة مابيقدرش عليه، "محب" كمان صحابه كانوا داعم أساسي ليه، بيقول "الفكرة بس في إنك تختار هتعرف مين، عشان وانت في الحالة دي بتبقى الكلمة قادرة تفشخك".

Home
خروجات النهاردة
Home
Home