• اكتب معانا
  • ماتنسناش
  • تابعنا
الموضوع اللي جاي
فيديو: إنقاذ تونسي عاش في كهف ١٥ سنة بعد وفاة أهله
الموضوع اللي فات
عرض "أوبرا عايدة" في الأهرامات الشهر ده

محمد صبحي.. من ممثل ومخرج لخطيب جمعة في زاوية

كل سنة وأنت طيب يا أستاذ

في مسرحية "كارمن"، حاول المخرج "محمد صبحي" يشرح للممثلة "سيمون"، ازاي توصل لدرجة إتقان في التعبير، تخليها تعيط بنص وشها وتضحك بالنص التاني. تقريبًا دي نفس مشاعري وأنا بتفرج على أعمال صبحي، اللي وقفت بالنسبالي عند مهرجان المسرح للجميع سنة 2000، شعور بالاستمتاع مخلوط بحزن وشفقة وأحيانًا اشمئزاز من صبحي نفسه، الممثل والمخرج المسرحي اللي تشبع بنزعات أفلاطونية كبست على نفسه وأعماله وفضلت تكبر معاه لحد ما حولته من ممثل ومخرج مسرحي لخطيب جمعة في مسجد صغير بإحدى مدن الأقاليم.

في رمضان 2003 كنت بتخانق مع أبويا وأمي علشان أسهر أتفرج على "فارس بلا جواد" اللي التلفزيون المصري اشترى حق عرضه ورماه للساعة 12:30 بالليل، التفسير المنطقي وقتها، إن الدولة عاوزة تمنع الناس إنها تشوف مسلسل صبحي اللي بيعادي فيه الصهيونية وبيفضح مخططات إسرائيل، ولولا إن يوتيوب ساعتها ماكانش موجود، كانت مشاهد المسلسل هتنزل فيديوهات قصيرة عنوانها "شاهد المشهد الذي أربك شارون وانتصر للشهيد محمد الدرة". الطرح ده كان مناسب لوقتها، حيث الانتفاضة الفلسطينية لسه في عزها وحسن نصر الله وعمرو موسى أبطال شعبيين بسبب مواقفهم من إسرائيل.

بعد الثورة، اتعرض "فارس بلا جواد" على أكتر من قناة من غير قطع أي مشاهد من اللي كان صبحي بيخرج في كل لقاءاته يشتكي من قصها، ماقدرتش اتفرج على 3 حلقات ورا بعض من المسلسل، ممكن السبب الوحيد اللي خلى التلفزيون المصري يعرضه في ميعاد متأخر، علشان عيب المسلسل ده ياخد ميعاد مكان يسرا أو يحيى الفخراني أو حتى سميرة أحمد، لكن أي حاجة مش مهمة قصاد الرسالة اللي بيلقنها صبحي للمشاهد بمعلقة ومشهد النهاية اللي لازم يكون للأستاذ وهو بيتحسر على حالنا كعرب فقدوا بوصلتهم اللي هو بس اللي عارف اتجاهها الصح.

أنا حبيت صبحي، صبحي ماكانش كدة، صبحي هو أحسن واحد عمل مسرح في مصر وهيفضل ده رأيي لحد ما ناس تانية تطلع تقدم اللي قدمه على خشبة المسرح. بس أدواره ونجاحاته ممانعتش إن كل فترة تطلع تصريحات من أشخاص كانوا مقربين ليه، يتكلموا عن ديكتاتوريته واضطهاده للمواهب اللي بتشتغل معاه وتعمده إنه ياكل مساحات أدوراهم، لينين الرملي شريك صبحي الأهم في رحلته، مابيفوتش مكالمة مع صحفي من غير ما يتكلم عن كواليس اضطهاد صبحي لعبلة كامل في مسرحية "وجهة نظر"، ومن قبل عبلة كامل كانت ماجدة الخطيب في مسرحية "الجوكر" اللي بدلها بصديقته هناء الشوربجي، وخيرية أحمد في "انتهى الدرس يا غبي" واللي برضه بدلها بهناء. بس لو كان بيكره إن أي حد ياخد مساحة قدامه، ليه سيمون عملت أحسن أداء ليها قدامه في لعبة الست وكارمن؟ وليه شعبان حسين كان ملعلع في "سكة السلامة"؟ وليه مجدي صبحي وأركان فؤاد كانوا أسطوات في "كارمن"؟

إجابة أي سؤال في السياق ده هتكون علشان صبحي مش شيطان ومش ملاك، عادي، ناس هتحبه وناس هتكرهه، ناس هتحب تشتغل معاه، وناس هتتهمه بقتل موهبتهم، الأكيد إنه دايمًا كان مهتم ينمي الصورة الذهنية المتاخدة عنه كفنان خلوق بيقدم فن هادف –يعني إيه فن هادف أصلًا؟- وبيدخل بأعماله في قضايا وهموم المواطن العربي. الموضوع ده فضل يتدرج من سيء لأسوأ، يعني يحط التاتش بتاعه على رواية سعد الدين وهبة ويحول نهايتها لخطبة ضد الصهيونية، أو يقف يقول خطبة 5 دقايق في نهاية مسرحية عبقرية زي "كارمن" فيخليك تكره مشهد النهاية وتكرهه هو شخصيًا". صبحي مصدق جدًا إنه مش مجرد فنان، إنه بيقدم فن مش زي باقي الناس، هما بيمثلوا علشان ممثلين، بس أنا ممثل لهدف أسمى، أنا عليًّ مسؤولية توعوية وثقافية ووطنية وقومية وأي حاجة آخرها "ية".

لينين الرملي كان دائم الشكوى من خروج صبحي عن النص، ورغم كدة كان بيحاول يحجمه على قد ما يقدر، بعد انفصال صبحي عن الرملي، بقى صبحي هو الإله الأوحد لأعماله لا شريك له، فتوحش أكتر في رغباته التوعوية على حساب النص والعمل الفني، خد عندك مثلًا في التلفزيون، بعد جرعة مكثفة عن القومي العربية والمخططات الصهيونية في "فارس بلا جواد"، قدم صبحي مسلسلات "ملح الأرض"، "عايش في الغيبوبة"، "أنا وهؤلاء"، "رجل غني فقير جدًا"، قبل ما يرجع مرة تانية لونيس اللي تقريبا بيحضر منه الجزء ال15 دلوقتي. المسلسل الوحيد اللي كان ينفع يتشاف من كل دول هو "أنا وهؤلاء" اللي كان كوميديا اجتماعية خفيفة، مع أهمية إن البطل يكون مثالي وبيتورط في مشاكل كتير بسبب طيبته، باقي المسلسلات كان لازم يظهر فيهم الأستاذ بشخصية زعيم أو قائد لمجموعة ما، ويفضل طول المسلسل يحارب الشرور ويديهم في نصايح ويقرالهم ضهر كتاب القراءة، وأحيانًا يحارب القوى العظمى في العالم كمان.

قبل الثورة قرر صبحي، بالتعاون مع وزير إعلام مبارك أنس الفقي، إنه يرجع "يوميات ونيس". بعد متابعة أول كام حلقة أيقنت إن الراجل ده راح في طريق اللا عودة، فنان قرر يحول كتاب "القيم والأخلاق" بتاع رابعة ابتدائي لمسلسل، سيطر على كل حاجة في العمل، بقى هو الكاتب والمخرج والبطل، الممثلين مجرد أدوات في المشهد اللي بيقدمه، بيكملوا كلامه أو بيقفوا يهزوا راسهم، الشخصيات كلها مكتوبة بشكل ركيك وطفولي وأحيانًا عشوائي، مافيش سيناريو، مافيش حبكة! مش عارف ليه صبحي ماتهاجمش علشان بيحلب الشخصية زي ما الناس كانت بتهاجم محمد سعد مثلا؟ بعد الثورة شارك صبحي زيه زي غيره في التعليق على كل كبيرة وصغيرة بتحصل في البلد، لكن تعليقات كلها متغلفة بنزعة أخلاقية واضحة، اترشح اسمه كوزير ثقافة وبقت كل البرامج تجيبه تسأله عن هموم الوطن وأخلاق الشباب والعباد وقلت أخباره الفنية عدا أجزاء جديدة من مسلسل ونيس، اللي بيتكلم فيه عن الأخلاق والشباب والعباد برضه.

مع انحصار موجة الثورة وقتل الحياة السياسية بالتدريج في مصر، كل الناس اللي كانت بتتكلم عن السياسة ليل ونهار تراجعت لأماكنها الأصلية، لكن صبحي ماينفعش يرجع، لأن كل لما البلد تمر بأزمات، بيحس بأهمية وتعاظم دوره كمربي ومعلم، علشان معروف إن كل أزمات الوطن ممكن تتحل بشوية أخلاق وبمبادرات لجمع تبرعات وبكلام منمق في حوارات تلفزيونية وصحفية، فيجيب كلامه رد فعل عكسي والكوميكس تزيد عليه وتبقى بتضحك أكتر من أدواره، يعمل برنامج تلفزيوني علشان يقدم اسكتشات بتدعو لنشر الفضيلة والأخلاق وحاجة مسرح الكنيسة خالص، فيكون المشهد الأخير المحفور في أذهانا عنه، هو مشهد لشخص متظاهر بالمثالية وعنده "إيجو" يكفي بلد، مش مشهد من "تخاريف" أو "وجهة نظر"

Home
خروجات النهاردة
Home
Home